أمرنا الله تعالى أن نستعيذ به من الشيطان الرجيم عندما نريد أن نقرأ القرآن لقوله تعالى:
{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} سورة النحل: الآية (98).
فما معنى الاستعاذة؟. وما معنى قولنا بالله؟.
ومن هو الشيطان؟. وما معنى الرجيم؟.
الاستعاذة:
مصدر لفعل عاذ، بمعنى ألتجئ وأحتمي معتزّاً مستجيراً بصاحب العزّة والقوة، ولا يكون الالتجاء والاحتماء إلاَّ بقوي عزيز الجانب. وعلى وجه المثال نقول:
لو أن طفلاً كان يسير في الطريق، فلحق به عدو من إنسان أو حيوان يريد إيقاع السوء به وأذاه، وفيما هو على أشد ما يكون من الخوف والذعر، ألفى أباه قادماً نحوه، أفتراه والحالة هذه يلتجئ ويحتمي، وإن شئت فقل أيعوذ بغير أبيه؟. إنه يعوذ به لأنه يعلم حبّه وإخلاصه وقوَّته على دفع عدوّه عنه، وكذلك الإنسان المؤمن ما عليه إلاَّ أن يعوذ بربِّه ويقبل عليه بنفسه وهنالك يُحفظ ويُوقى ويندفع عنه الشر والأذى وإلى جانب ذلك يسمو ويرقى. ويكون له في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوةٌ حسنة.
ومعنى قولنا (بالله): أي بالمطاع، والمُطاع هنا: هو الجاري حكمه وأمره على كل مخلوق بلا استثناء شاء أو أبى "وما في حكمه وأمره إلاَّ الخير والرحمة"، فكل مخلوق سائر بحسب ما خُصِّص له من الوظائف، وقائم بما هو مخلوق له من الأعمال، فالجمل مسيَّر مذلَّل لخدمة الإنسان، يحمل له الأثقال، والنحلة مسُوقَةٌ ومضطرة إلى أن تجمع العسل من الأزهار، والكرة الأرضية مسيَّرة بأمره تعالى تسبح في الفضاء؛ والقمر مسيَّر يسبح حول الأرض وهو دائب الحركة والدوران؛ وما من دابة إلا هو تعالى آخذٌ بناصيتها يسيِّرها كيف يشاء، والكون كله خاضع لأمر الله، ولا يستطيع أن يخرج عن أمر هذا المطاع. وذلك ما نفهمه من كلمة (بالله).
والشيطان: مأخوذة من: شَطَنَ، وشَاطَ.
وشطن: بمعنى بَعُدَ عن الحق، وشاط: احترق وهلك.
فالشيطان: هو البعيد عن الحق المحترق الهالك، فببعده عن طريق الحق أصابه الاحتراق والهلاك.
والرجيم: هو المرميُّ دوماً بالعذاب لأنه مطرود من القرب من الله.
والرجيم أيضاً: هو الذي ينصبُّ عليه البلاء والشقاء بصورة متمادية، وما أصابه البلاء والشقاء إلاَّ ببعده وإعراضه؛ والبعد والإعراض سبب كل بلاء، ومصدر كل شقاء.
ومجمل قولنا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: أي: أحتمي وأعتز بالمطاع الذي خضع لأمره كل شيء، من الشيطان الذي ببعده عن الحق صار معذَّباً دوماً، ومحروماً من كل خير.
فإذا التجأت بنفسك إلى الله عند قراءة القرآن بعد أن آمنت بالله إيماناً منبعثاً من نفسك وأحببت بما فيك من كمال رسول الله ودخلت بمعيَّته صلى الله عليه وسلم في حضرة المطاع الذي ذلَّت وخضعت لأمره سائر المخلوقات، فهنالك تصبح في حصن حصين وحرز منيع لا يدخله شيطان وتنقطع عنك وأنت في هذا الحصن وساوس الشيطان ويزول الوقر من الأذنين، وينكشف الغطاء عن العينين، عندها تسمع الكلام من المتكلِّم جلَّ جلاله وترى وتشهد ما في أوامره من المنافع والخيرات.