تشير هذه الآية الكريمة من سورة البقرة ... إلى أنّ الذي يتبع القانون الإلٓهي يعيش في هذه الحياة الدنيا في مأمن من الشيطان فلا خوف عليه من مكائده ومكره ولا خوف عليه من المصائب والأوصاب والآلام، بل إنما يعيش في اطمئنان وسعادة وسلام.
أما كلمة (وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) فهي تبيِّن لنا أن الذي يتَّبع ذلك القانون الإلٓهي إنما يكتسب عمره الثمين بما يعود عليه غداً بالسعادة والخير، فإذا وافاه الأجل وانتهت به مرحلة الحياة وجد نفسه قد قام في هذه الدنيا بما خُلِقَ من أجله من اكتساب صالح الأعمال والتزوُّد من دار الفناء إلى دار البقاء. فهو لا يحزن على فراق الدنيا، إذ وجد ما هو خيرٌ منها وهو لا يحزن على تلك الحياة والعمر الثمين لأنه قد قضاه بما يعود عليه بالخيرات التصاعدية العليّة.
أما وقد عرَّفنا تعالى بأنه سيرسل لنا قانوناً وأن في اتِّباع هذا القانون يجد الإنسان السعادة والسلام، فهل بحثت أيها الإنسان عن القانون الإلۤهي الذي فيه سعادتك واهتديت إليه؟ أم تريد أن تضع لنفسك قانوناً من عندك ظنّاً منك أنك إنما وُجدت في الدنيا صدفة وأنك تعيش فيها مهملاً، فلم تُنظِّمك يد ولم تُشرف عليك عين..
ألم تكن نطفة من ماء مهين؟ ألم تكن نطفة من مني يمنى؟ ألم يأتِ عليك حين من الدهر لم تكن شيئاً مذكوراً؟ من الذي خلقك من نطفة أمشاج وجعلك سميعاً بصيراً؟ من الذي جعل لك عينين ولساناً وشفتين وهداك النجدين؟
أفيقبل فكرك وجود شيء منظَّم دون أن يكون له موجد منظِّم؟ أفتكون تربية كاملة شاملة بدون مرتِّب؟ أفتكون تربية مبنية على أنظمة وسنن ثابتة دون أن يكون لها رب بصير مهيمن؟
هلاَّ نظرت إلى الجبال وشاهدت نفسك عظمتها وعلمت من الذي كساها بهذه العظمة كم هو تعالى عظيم؟ هلاَّ نظرت إلى البحار والأنهار؟
ما هذه الأقاليم المختلفة والأقطار؟ ما هذه الثلوج والأمطار؟ ما هذه الرياح والغيوم؟ ما هذه الرعود والبروق؟ ما هذه الأنظمة التي تتأمَّن معها أرزاق ما على الأرض من أحياء؟ ما هذه الشمس والقمر؟ ما هذا الليل والنهار؟ ما هذه الشهور والأيام؟ ما هذه الأوقات والساعات؟ ما هذه النجوم اللامعات؟ هل هي رتَّبت ونظَّمت ذاتها بذاتها، هل هي ذوات عاقلات خلقت نفسها وأمدَّت ذاتها بنفسها؟ ما هذا الكون اللامتناهي بما فيه من آيات عظيمات؟
أليس هذا الكون كله نسيج وله خالق خلقه، ومربٍّ يربِّيه وإلۤه يسيِّره على هذا النظام البديع؟
وإذا كنت ترى هذا الكون كله قائماً على نظام وسائراً ضمن الكمال والدقة وكنت تقول وكل من عنده ذرَّة من تفكير يقول: لا بد لهذا النظام من منظِّم ولهذا الكون من ربٍّ عظيم مسيِّر، فهل بحثت ودقَّقت وصدقت حتى اكتشفت وجوده العظيم!.
فهل من المعقول أن ينظِّم الخالق العظيم الكون كله ويجعله جميعه قائماً على أبدع نظام ويدعك أنت أيها الإنسان مُهملاً تهيم في هذه الحياة على وجهك دون أن يضع لك نظاماً كما وضع لسائر المخلوقات؟ لا بد أنك إذا فكَّرت هذا التفكير تقرُّ معترفاً بأن هذا الخالق العظيم الذي جعل الكون كله يسير وفق أنظمة وسنن ثابتة إنما وضع لك نظاماً يصل بك إلى السعادة في الدنيا والآخرة ويجعلك تحيا فيهما حياة طيبة، فهل فكَّرت في الوصول إلى هذا النظام؟ وهل بحثت عنه واهتديت إليه؟ أم أنك لحقت الدنيا وأخلدت إلى الأرض فوقعت فيما وقعت فيه من مصائب وأحزان وآلام؟
أوليست هذه الأحزان والمصائب والآلام دوافع تدفعك إلى التفكير ومذكِّرات تذكِّرك بأنك منحرف عن الصراط السوي الذي شرعه لك ربُّ العالمين؟ هل من المنطق الصحيح وهل يقرُّ الفكر السليم بأن الإلۤه الذي خلقك وخلق الكون كله وسخَّر لك جميع ما فيه لا يريد لك السعادة وليس برحيم بك عطوف عليك؟
الكون كله يشهد لك بعناية خالقك بك وعطفه عليك وهذه الشدائد والمصائب دلائل ناطقة تريد أن تعرِّفك بانحرافك عن ذلك النظام الذي وضعه لك خالقك، فاصدق في البحث عنه تهتدي إليه وطبِّق تعاليمه تخلص ممَّا أنت فيه، وإنك إذا فكَّرت في آية واحدة من آيات هذا الكون، وإذا أنت فكَّرت في نفسك أو أي عضو من أعضائك فلا بد أنك تهتدي إلى هذا الإلۤه العظيم.
فإذا أنت عرفته تعالى وخشعت نفسك إليه فهنالك تستطيع أن تعرف هذا النظام وتهتدي إليه، قال تعالى: {..وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ..} سورة التغابن، الآية 11. {...وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} سورة آل عمران، الآية 101.