هل يجوز وهب الأعضاء بعد الموت؟
الأخ الفاضل حفظه المولى الكريم ... آمين
أولاً- من الناحية العلمية الطبية: هناك موتان:
- أولهما الموت السريري:
حيث يموت الدماغ ويبقى القلب والتنفس يعملان، أي أن الجسم فيه حياة والأعضاء حية قابلة لأن تزرع بجسم ثانٍ، ولكن أحياناً قد تعود الحياة لهذا الميت سريرياً وذلك جرى في كثير من القصص سمعنا بها عن أموات سريرياً عادوا للحياة بشكل لا يمكن تفسيره علمياً أذكر لك ما تناقلته وسائل الإعلام منذ أشهر عن أحد الأشخاص وهو على ما أذكر من أحد البلدان التي كانت في الاتحاد السوفيتي ومات سريرياً وبقيت زوجته بجانبه ترعاه حتى استيقظ بعد ثلاثين سنة تقريباً وقد وجد العالم غير العالم...
وكذلك رجل آخر بقيت زوجته بجانبه ترعاه وتقرأ القرآن بجانبه أشهراً حتى عادت له الحياة واستيقظ من حالة السبات.
وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، فما حال ذلك الشخص الذي تبرَّعوا بأحد أعضائه وهو في تلك الحالة حين تعود له الحياة ويستيقظ ليجد نفسه فاقداً أحد أعضائه؟! كيف سيتابع حياته فاقداً لذلك العضو، وقد يسبب ذلك موته الكامل.
- أما الموت الثاني وهو الموت الكامل:
وهنا تبرز عدة موانع تحول دون نقل أي عضو من أعضاء الميت لإنسان آخر، وهي أنه لا يمكن أخذ الأعضاء إلا من الميت الذي مات للتو، فتختلف حياة الأعضاء بعد موت الإنسان من الدقائق المعدودة بالنسبة للدماغ إلى الساعات "4 ساعات" بالنسبة للعضلات...ثم الجلد...
وهنا تكمن المشكلة وهي أنه أيضاً وفي كثير من الأحيان يكون هذا الميت ليس ميتاً حقيقةً بل كان يعاني من توقُّف ونبض متقطع للقلب وهذه الحالة مشابهة للموت الحقيقي الكامل وتختلط حتى على المختصين فيصعب كشفها، وأيضاً سمعنا بكثير من القصص عن عودة الحياة لأشخاص ثبت موتهم الكامل إذاً عند الموت يجب أن يُنتَظَر على الميت ساعات أو حتى يوماً كاملاً ليتم التأكُّد من موته تماماً وهذا عين الحكمة والرحمة بحقه إذا كنا فعلاً نحبه ونحترمه كإنسان.
والجدير بالذكر أن عمليات الزرع لا تنجح كلها.
ثانياً- من الناحية الشرعية الإنسانية:
1- لا يجوز المس بأعضاء الميت حرمةً له وبالدين الإسلامي، جسم الإنسان مقدَّس، فلا يجوز المس به ولأي غاية كانت، فلا للتبرُّع ولا للبيع خُلِق هذا الإنسان فهو فوق المادة وهو ليس سلعة والله تعالى يقول: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ..} سورة الإسراء (70).
حتى الحديث عنه بالسوء بعد موته لا يجوز لأن ذلك يؤذيه، إلا بذكر محاسنه والتجاوز عن أخطائه «اذكروا محاسن موتاكم» لأن النفس بذاك الوقت تتأثَّر أكثر بكثير من حياتها الدنيا.
«الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا» والنفس وقتئذٍ في صحوةٍ كبرى فهي لا تغفو ولا تنام بعد الموت لقوله تعالى في سورة النازعات (14): {فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ} فهي تتأثَّر بذكر محاسنها والعكس صحيح.
أيضاً وحادثة والدة العلامة الكبير محمد أمين شيخو رآها بعد وفاتها في الرؤيا "المنام" تقول له: لماذا الشاهدة عندي أقصر من الشواهد التي بقربي أريدها شاهدة مرتفعة فقام علامتنا في صباح اليوم التالي من فوره وأوعز بنزع الشاهدة القديمة ووضع شاهدة جديدة أعلى.
والشيخ عيسى الكردي والذي ضريحه في تربة مولانا الشيخ خالد وعلى بعد حوالي "عشرين متر" من الضريح، دُفن ابن الشيخ عيسى الكردي ولم يكن لله طائعاً فشاهد مريدوه وهو ينهض من القبر ويقول: لماذا يؤذوننا؟! من الذي أوقد هذه النار بالقرب منا والتي عكَّرت صفونا بدخانها المؤذي؟! من أزعجنا وأشعل هذه النار بدخانها؟!
وترى أن الناس حفاظاً على كرامة الإنسان لا يرغبون أن يجلس أحد أو يدوس على قبور المنتقلين كرامةً لهم، بل ولا يجوز الكشف عليه بعد دفنه لئلا يراه الناس بصورة متضرِّرة فينفرون منه ويتأثَّرون وهذا عندما غضب الله على قوم ثمود وأهلكهم قال تعالى في سورة هود (67): {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ}: أي على ركبهم، لم يجدوا من يدفنهم وهذا ذم لأنهم لم يدعوا مجالاً لأن يستحقوا أي إكرام وعندما قتل قابيل هابيل وجاء الغراب يعلِّمه كيف يواري سوءة أخيه قال: {..يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي..} سورة المائدة (31). لأن هذا يؤثِّر على نفس المنتقل.
والنفس بعد الموت لا تموت بل تذوقه ذوقاً، إنما الجسد هو الذي يفقد الحياة ويفنى والروح يأخذها الملك إلى بارئها، والنفس هي الذات النفيسة عند الله وهي أعلى المخلوقات لحملها التكليف والأمانة.
وكما لا يجوز دفن أي ميت فوق الميت الذي لم يفنَ جسده لئلا تتضايق النفسان معاً، فنحن قد غلبت علينا عوالم الصور على عوالم الحقائق.
فإن أخذ أي إنسان أعضاء الميت فيحاسبه يوم القيامة هذا المنتقل بجرم السرقة وما سبَّبه له من آلام لأن هذا الجسد بالنسبة للإنسان هو جلاء أعماله، فلا ينبغي التلاعب به وأن الجسم مقدَّس فما أنزل الله من داء إلا وأنزل معه دواء، فلماذا نسرق أعضاء بعضنا؟!
2- التمثيل بجسد الميت لا يجوز وقد نهى الله عنه في القرآن، قال تعالى: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ..} سورة الإسراء (33).
وكذلك أمر خليفة رسول الله ﷺ سيدنا أبو بكر الجيوش المسلمين بعدم التمثيل بأجسام القتلى بعد الموت وهذا عندما أرسل جيشه لحرب الروم فقال: «أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني ألا تخونوا ولا تغدروا ولا تُمثِّلوا..» فتقطيع الأعضاء بعد الموت جرم كبير لا يرضى به الله.
والإنسان كرَّمه الله وأوجد له أدوية غير التقطيع والتوصيل والتمثيل لأي هدف كان.
- «وخير ما تداويتم به الحجامة» فالحجامة خير مثال وهي التي أغنت عن كافة هذه الطرق الملتوية، لأنه: "عدمٌ لا يكون" فالنفس باقية ستشكو إلى الله من اعتدى على جسدها يوم القيامة أمام العوالم يوم الحسرة والندامة على ما فعل في حقها بعد مغادرة جسدها، وهذا العمل خفَّض من قيمة الإنسان، فالإنسان ليس خروفاً لتُقطع أعضاؤه، بل كل المخلوقات مسخَّرة له.
- حتى مسألة التبرُّع، يظن البعض أن هذا أمرٌ إنساني، والحقيقة أنه لا علاقة له بالإنسانية، بل إن الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ممن كفر بالآخرة فأمثال هؤلاء من جهلهم يقومون بالتبرُّع بأعضائهم أو بشيء من أعضاء ذويهم ومن عدم إيمانهم يظنون ألّا محاسب لهم فيفعلون ما يفعلون من تبرُّعٍ بأعضائهم لغيرهم جهلاً وبغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، فهل هم الذين خلقوا أعضاءهم حتى يتصرَّفوا بها؟! فلا يجوز لهم أن يتصرفوا بها إلا ضمن أوامر الله وإرشاده في كتبه المقدسة.
فيا أخي:
إن الله خلق هذا الإنسان فالإنسان نسيج الحضرة الإلۤهية وهو ليس مِلْكٌ لذاته يفعل بنفسه ما يشاء. بل إن الله خلقه وسخَّر له كل شيء وكرَّمه وهو الذي صوَّره وأبدعه وخلق أيضاً النفس وأمدَّهما بالروح فهي ملك لله فلا ينبغِ أن يتعدى على حرمات الله وإلّا فسيحاسبه.
فيا أخي الكريم: اربأ بنفسك أن تكون من الجاهلين من أجل دنيا منقضية يعقبها الحسرات والحريق أو الجنات والإكرامات.
ثم إن هناك ناحية أخرى هي أن الإنسان إذا كان يحب هذا المتوفى فالفطرة التي فُطر عليها لا تمكِّنه أن يتصوَّر أن يُشقَ بطنُ من يحبه وتُبْتر أعضاؤه وتؤخذ لغيره، كيف له أن يتحمَّل مشهد من يحبه وهم يأخذون كبده أو قلبه أو عينه أو..؟! هذا لا يحتمل، ومن يحتمل مثل هذا فمؤكَّدٌ أن فطرته غير سليمة ولا علاقة له بالإنسانية، وإني لأظن أن هذا المتوفى لن يُسامح من فعل ذلك أبداً مدى الدهر، وسيبقى عذاب الضمير والنفس يؤرق من قام بهذا الفعل حتى ولو كان بدافع إنساني.
نكرِّر: عدم لا يكون، فما التغسيل والدفن وقراءة القرآن في الأيام الثلاثة الأولى في التعزية إلا تكريماً للميت وكلها تفيده وتزيل عنه من الهموم والغموم مالا يعلمه إلا الله والله يحب لنا أن نكرم بعضنا بعضاً لا أن نُقطِّع بعضنا من أجل دنيا فانية.
والحجامة أغنت عن الطب الجراحي والكيميائي الغربي بالكلية وأثبتت أنه كله ضرر بضرر، وليس بالحجامة تقطيع ولا توصيل بل شفاءات من كافة الأمراض إلا الموت، وهذا حق وهذا طب إلۤهي أغنى عن الطب البشري والتقطيع والتوصيل والعمليات الجراحية.