هل الرسول ﷺ هو القاسم لكافة النفوس في الكون مكلّفة وغير مكلّفة؟ وهل كان هذا منذ الأزل؟

بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي الأستاذ عبد القادر أدامه الله ورد في الحديث للرسول ﷺ: (الله المعطي وأنا القاسم).
من المعلومات التي لدي أن الرسول ﷺ هو المنظّم للتجلّيات الإلٓهية وعن طريقه تأخذ النفوس حاجتها من التجلّيات. فهل هو القاسم لكافة نفوس الكون أم للمكلّفين بحمل الأمانة فقط؟ وإن كان ذلك فهل هذا منذ بداية الخلق أم بعد ولادته مباشرة ﷺ إلى قيام الساعة؟
وهنا يتبادر لذهني الآية التالية من سورة هود (49): {تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}.

1- تسأل: [هل هو ﷺ: القاسم لكافة نفوس الكون أم للمكلفين بحمل الأمانة فقط].
قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} سورة الأنبياء: الآية (107). وكلمة للعالمين: كلمة عامة، شملت جميع العوالم فهو ﷺ لا يخص عالماً دون عالم فهو للإنس كافة وللجان، كما ورد في سورة الرحمن الآية (33) خطابه ﷺ: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ..} فهو ﷺ يخاطب الإنس والجان فهو القاسم لهم لمن لم يأبى أما من لم يرضى في هذه القسمة لا يدخله به الرسول وإن رجع عادَ له العطاء عن طريق القاسم ﷺ كما أنّه ﷺ للمؤمنين {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ..} سورة آل عمران: الآية (164).
وفي الحديث (إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق): هؤلاء يرقون به ﷺ ويعرجون في معارج الكمال ويتدرجون في مدراج القدس فمن كمال إلى أكمل، رقي مستمر متواصل بأنوار عليه وإشراقات سنية دائمية، وهو إمامهم وقائدهم والقاسم لهم.
وهو ﷺ للناس كافة ليخرجهم من الظلمات إلى النور ويدلهم على طريق الإيمان. هؤلاء يفيدهم حديث (إنما بعثت معلماً..) إذن هو ﷺ للمكلفين كافة: للمؤمنين من أجل أن يزدادوا إيماناً ولغير المؤمنين من أجل أن يغيروا ويؤمنوا كما حصل مع العرب {..وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} سورة الجمعة: الآية (2). وشبه الجزيرة العربية كلها كانت في الكفر ترتع قبل مجيئه ﷺ فصنع منهم هداة الأمم وقادة البشر فعمَّ به ﷺ الإيمان أرجاء العالم بأسره كما بعهد الصحابة ومن تابعهم بإحسان وفي الآخرة عندما يخرج من النار من كان تقيا يخرج بمعيته ﷺ والقسمة تحصل له عن طريق القاسم ﷺ.
أما لغير المكلفين فهو رحمة لهم ولكن الأمر موقوف عندهم، فلو تطلبت نفوسهم حمل الأمانة، وتشوقوا لهذا النوال بحمل التكليف والتشريف فلا يبخل الله تعالى عليهم بها وهذا لن يحصل قبل انتهاء الدوران، ولكن نقول إن حصل هذا واستجابوا فالباب مفتوح لديهم والله يقبل استجابتهم ويفتح لهم دورة جديدة، ساعتئذٍ يكون الرسول سبيلهم إلى الله والقاسم لعطاء الله وجناته لهم لرقيهم وسموهم وهذا الأمر موقوف عندهم لبعد يوم القيامة وبعد الفصل، أما هو فجاهز للعطاء السامي العالي الدائم الباقي والسلام على من اتبع القاسم فاهتدى.
2- وتسأل: [هل هذا منذ بداية الخلق أم بعد ولادته مباشرة].
لقد أرسل الله رسوله رحمة للعالمين وهذه الرحمة تشمل العالمين عبر الأزمان جميعها فهو ﷺ قبل ولادته بحاله النفسي، إذ أنّه إمام المرسلين منذ الأزل بالميثاق، وذلك بآية ميثاق النبيين في سورة المائدة، والقرآن تنزّل على قلبه الشريف منذ الأزل لإنقاذ كافة الناس بدليل قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ} فتعليم القرآن سبق خلق الإنسان، والقرآن حقيقته نور من الله.
قال تعالى: {..مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً..} سورة الشورى: الآية (52). وبعد ولادته ﷺ: وبالأربعين صار بحاله النفسي الشريف: وبقوله الذي أوحاه الله تعالى له ليدخل هذا النور الذي أنزله على قلبه في قلوب أصحابه فكانوا قبله عميان القلوب وبه ﷺ فتّحوا واستناروا فهو رحمة لهم.
إذن منذ الأزل استفاد منه الأنبياء والمرسلين وفي الدنيا استفاد منه المكلفين المنقطعين، كثير منهم غدوا من المتصلين الواصلين إلى جنان رب العالمين ولا يزال الخيرُ جارٍ لأن وظيفته القلبية ﷺ جارية قال تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ..} سورة القصص: الآية (85).
وقال أيضاً: {وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ} سورة القلم: الآية (3). جاري على المصلين حتى يوم القيامة وأبد الآباد.
أما الآية الكريمة في سورة هود: {تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} سورة هود: الآية (49).
كان ﷺ بعالم النفوس. وعالم الأنفس هذا من خصائصه النسيان، كمثل النائم الذي يرى منامات كثيرة لا يستطيع تذكرها فيما بعد إذ تغدوا أحلام مضت وانقضت ولم يعد لها اثر، أما لو أنها حدثت في اليقظة لكان يعلمها، ولكنها حدثت على النفس فقط والنفس ليس لها ذاكرة، فهو لا يعلم كثيراً منها والله يذكره بها والقرآن يذكره بها فيتذكرها فتصبح علماً بعد أن كانت عرفاً.
والرسول ﷺ كان في حاله النفسي فهو لا يعلم تلك الأنباء والله وحده الذي وسع علمه السموات والأرض وهو الذي لا يؤده حفظهما، يعلمها ولا تخفى على الله خافية مع أنه ﷺ عليه عليم ولكن فوق كل ذي علم عليم سبحانه وتعالى يُعلّم الرسول وعَلَّمَ الكائنات كلها ومنه تعالى يتعلمُ الرسول ﷺ {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} سورة النجم: الآية (5).