السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ممكن أعرف من هو ذو القرنين؟
هيأ الله تعالى العالم كلَّه لينتشر فيه دين الحق في ذلك الوقت، فبعث الله رسوله ونبيّه سيدنا موسى إلى فرعون، ورُشِّحَ فرعون لهذه المهمة، فلو استجاب للحق لمّا أتاه على لسان وقلب سيدنا موسى لكان على يده فتح العالم بأسره، ونقلهم للهداية والأمن والسلام. إلا أنه أخلد إلى الأرض وعتا عن أمر ربه، فهلك فرعون لأنه لم يستجب لأمر الله فخسر الدنيا والآخرة.
فنقل الله بذلك هذا العمل العظيم وهيَّأ بني إسرائيل للقيام بهذه المهمة العالية، وهي هداية الأمم والأجيال وإخراجهم من الظلمات إلى الهدى والنور وفتوح العالم كله.
قال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا..} سورة الأعراف: الآية (137). ولكنَّهم غيَّروا عندما رأوا قوماً ذوي حضارة دنيوية زائفة وظهر حب الدنيا بقلوبهم، ذلك لأنهم لم يؤمنوا إيماناً ذاتياً حقاً ولم يقدِّروا رسولهم إلا لمعجزاته وسامحهم الله بطلبهم هذا إذ قالوا {..اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ..} سورة الأعراف: الآية (138). ولكن حين رباهم سيدنا موسى من جديد ودعاهم للجهاد وإنقاذ إخوانهم في الإنسانية من الظلمات إلى النور رفضوا الجهاد في سبيل الله وقالوا: {..فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} سورة المائدة: الآية (24). ولو كان لمكاسب دنيوية لما رفضوا {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ..} سورة التوبة: الآية (42). وهنا ظهر العبد الصالح الذي ذكره الله في سورة الكهف، والذي يقال أنه الخضر. وسُمِّي بالعبد الصالح لأنه آمن وأصبح صالحاً للعطاء الإلۤهي. ذلك الطموح إلى رضاء الله ونشر هداه بين العباد وإصلاح ما فسد في أرجاء البلاء، فرأى أن الوضع العالمي مهيأ لنشر دين الله ولأن يدخل الناس فيه أفواجاً ورأى أن هذا لا يكون إلا بالسيف والجهاد المقدس رهبةً ورغبة لرضاء الله لا من أجل عرض زائل ومتاع منقضٍ.
فبدأ يجمع حوله الشباب المتحمسين الطموحين أمثاله، وفتح مشارق الأرض ومغاربها شيئاً فشيئاً، وأتبع السبب تلو السبب فما كان ليعتدي على أحد إنما حينما يبادرونه بالتعدي يقابلهم وينتصر عليهم ويفتح بلادهم، وبالحقيقة ليفتح قلوبهم للهداية ثمَّ لإيصالهم إلى سبل الرشاد والجنات.
فكان ذو القرنين هو الوحيد في العالمين الذي فتح العالم بأسره، ولم يسبق لغيره من الرسل والأنبياء ولا لبعده أن فتحوا مثل فتحه الكامل الشامل، ولن يتأتَّى هذا من بعده إلا إلى سيدنا عيسى المسيح الذي سيمسح الكفر والطغيان بالعالم كلِّه وإلى يوم القيامة.
فذو القرنين الذي آمن واتقى فاهتدى وأحبَّ الهداية للخلق وكان طلبه لخير البشر، والله أيضاً هو الذي يحب الخير للبشر، فكان ناصره ومكَّنه من فتح العالم كلِّه لهداية الخلائق كلّها.