بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لدي الأسئلة التالية حول أصحاب الكهف أرجو تكرمكم بالإجابة:
أ- 1- هل أهل الكهف آمنوا بدون رسول وما الحكمة من نومهم؟
2- هل بزمانهم كان لا يوجد رسول أو مرشد والله سبحانه يقول {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24]، {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء: 165].
3- وإذا كان يوجد رسول بزمانهم أين العجب في إيمانهم ولماذا لم يهيّئ الله اجتماعهم به ومن هو؟
4- ولماذا بعثهم الله في المرة الأولى وأنامهم ولماذا لم يبعثهم بزمن سيدنا محمد وبإمكانهم أن يقدموا أعمال عظيمة بزمن الفتوحات؟
ب- يقول تعالى {..لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً} [الكهف : 18]، من المخاطب بهذه الآية؟ ولماذا الفرار والرعب؟ أليسوا أناس مثلنا؟! وهل صحيح بأن شعرهم طويل و أظافرهم وأعينهم مفتوحة (..وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً..) أم الخوف من الكلب وما الغاية من نومه معهم. وهل سيبعثه الله مرة ثانية معهم أم أنه ميت ولم يفنى؟
الأخ الكريم: حفظه المولى آمين.
يقول سبحانه وتعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}.
1- نعم هؤلاء الفتية في عمر الورد والزهور في الشباب اليافع الغض المونق المثمر، في مقتبل سن الرشد في فورة الشباب وعظيم اندفاعه، اندفعوا للحق وللبحث عنه تعالى ووجَّهوا طاقاتهم العظمى للغرض الأسمى في سني السادسة عشر، أعملوا دواليب الفكر بدل الاندفاع الطائش نحو الهوى الأعمى المهلك، سلكوا سبل المناقشة والشورى بعد إيمانهم، فوجدوا أفضل شيء أن ينجوا بأنفسهم من تيارات مجتمعهم الساقط فأووا إلى الكهف.
{إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ..}: كانوا في دنيا وعز وحياة عالية، أبناء وزراء وملوك، فكروا بالمنطق وسلكوا بالحوار فآمنوا بربهم وأيقنوا به وتثبتوا فقرروا وصمموا وثبتوا، فكانوا نبراساً يضيء للسالكين سبل الإيمان والتضحية، أبوا عبودية الآخرين وإتباع الأقاويل دون فكرٍ وتدقيقٍ وتمحيص، وصلوا بالأصول إلى مبدع السموات والأرض دون دليل يرشدهم أو نبي يدلهم ولا رسالة تهديهم سوى تلك الرسالة التي أرسلها الله لكافة البشرية كتاباً مفتوحاً يقرؤه كلَّ ذي لب ألا وهو كتاب الكون قرؤوه بأفكارهم دون بشر يدلّهم، أما الرسول فهو زيادة فضلٍ ومنَّةٍ من الله على البشرية { لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ..} [164] آل عمران .
فيا إنسان لديك أهلية لأن تصير مؤمناً دون أن يأتيك هادٍ. أعطاك الله تعالى فكراً واسعاً فاستفد منه، عندك فكر واسع فلا تهمله، إذا صدقت بطريق الحق وصلت، وهؤلاء أصحاب الكهف حجة قائمة على الناس أجمعين، فتية في مقتبل العمر دون دليل ولا مرشد آمنوا بربهم، لم يكن بزمنهم رسول كمثل (أهل الفترة) قبل مجيء النبي صلى الله عليه وسلم، فتعجب الرسول من إيمانهم العظيم إذ أن قومه رغم وجوده معهم ودلالته لهم على الله لا يؤمنون، بل لا تزيدهم الدعوة إلا نفوراً وإعراضاً، وهؤلاء الفتية آمنوا بلا مرشد ولا دليل وهذا العجب ممزوج بالإعجاب والتقدير إذ لا يعرف القدر إلا ذووه.
وقومهم لا يسمعون لهم إذ أنهم عبَّروا عن ذلك بقولهم {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ..} لذلك أنامهم الله لحين يكون معهم قائد عظيم يقودهم ويوجه طاقتهم العظمى نحو أعمالٍ كبرى تتناسب وعظيم إيمانهم فأنامهم الله ثم بعثهم لعل أهل ذلك الزمن من استيقاظهم بالمرة الأولى يستفيدون منهم فراحوا يختلفون بعددهم وعدد السنين التي لبثوها {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً} نحن لم نبعثهم لأجل تلك الغاية بل بعثناهم ليسلك الناس مسلكهم السامي وينجون من الدنيا وشهواتها.
فأنامهم الله مرة أخرى وسيبعثهم مع رسول عظيم تقوم بزمنه فتوحات كبرى يكونون وزراءه، لتجري على أيديهم أعمال تتناسب وإيمانهم العظيم وطموحاتهم في هداية البشرية.
أما في زمن سيدنا محمد فكان الصحب الكرام قد وفّوا وكفّوا ولم يقصروا أبداً.
2- {..لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً}: ناموا وهم خائفون على إيمانهم, كمن يملك كنزاً عظيماً بين جنبيه يخشى أن يُسلب منه ناموا وحال الرعب على فقدِ إيمانهم بنفوسهم، ناموا وعيونهم مفتحة لا يريدون النوم ولكنَّ الله أمنَّهم وحفظهم وأنامهم.
لو اطلعت عليهم أيها السائل لانطبع حالهم بك ولما استطعت المكوث عندهم بل لوليت فراراً ورعباً أما الكلب فقد أبقاه الله معهم إكراماً لهم ومن أجلهم.