ما هو الضلال الذي كان عليه الرسول ﷺ قبل أن يهديه الله، كما في الآية الكريمة من سورة الضحى: {وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى}؟ وما صلة ذلك بعصمة الأنبياء؟
إن آية: {وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى} تعني: وجدك قبل الرسالة في لهفة ورحمة كبيرة على الخلق لإخراجهم من الظلمات إلى النور ومن الشقاء للسعادة، ولكنك يا رسولي ما كنت تدري طريق هدايتهم لترشدهم فيؤمنوا، ولا دلالة على طريق الإيمان {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]. فقد كنت ضالاً عن طريق هدايتهم، فلمْ تعرفه قبل إنزال الكتاب عليك، أي قبل سن الأربعين من عمرك السامي الشريف العالي، فلمّا نزل القرآن هداك تعالى به سبيل هدايتهم، وكل هذا ناله ﷺ من صدقه العالي مع ربه وصدقه بمحبة إنقاذ عباد الله تعالى.
وتبقى عصمة الأنبياء مصانة ومحفوظة لهم ولا يمكن أن يتسرَّب للرسول ﷺ أي خطأ أو انحراف وحاشاه وهو الذي قال عنه تعالى: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: 2]: لا قبل الرسالة ولا بعدها ولم تصدر منه هفوة ولا أقل من ذلك، وإلا لقالت قريش: (ليس هذا الذي أنزل عليه القرآن)، لو صدرت منه هفوة، وتحدَّاهم بها ﷺ: {قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [يونس: 16]: أي قبل تنزيل القرآن. ولم ينحرف عليه السلام ولم يصافح امرأة قط ولم يجلس مع الضالين في مجالس المجون، بل كان كثير الخلوات مع ربه في غار حراء حتى قالت عنه قريش: (إن محمداً قد عشق ربه).
كان ﷺ يتمنّى هداية قومه والعالمين ويبحث عن السبيل لهدايتهم حتى أنزل الله تعالى عليه القرآن بصدقه وبالاستحقاق وعلَّمه ما لم يكن يعلم وعلَّمه طريق الإيمان، قال تعالى: {..وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النساء: 113].
إذن: فالقرآن الكريم لا يشير إلى أن الرسول ﷺ كان في ضلال، بل كان على هدى طيلة حياته، والله تعالى يقول: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الزخرف: 43]. ولكنك ما كنت تدري طريق هدايتهم وسبيل نجاتهم فهداك الله بما أنزل عليك من آي الذكر.