السلام عليكم ورحمة الله وبركاته من قلب أضناه البعد يقول للقريب صلني....
سيدي الكريم قرأت في كتبكم فوجدت الحق وقد كنت أقرأ كتب كثيرة قبلها فما وجدت سوى الضياع فحاولت تطبيق القوانين في الوصول للإيمان فما أن أشعر بنعيم القرب من الله وأنني والإيمان قاب قوسين أو أدنى حتى أقع بما يحجب نفسي عن الله فأقول بأن الله موجود ويراني والرسول كاشفني ولكن دون جدوى فلا أدري إلا ونفسي تقودني وكأن الفكر توقف وكأنني آلة بيد نفسي فأحس بنيران تشتعل في قلبي حسرة على تفريطي وبعدي عن الله فأنقلب مرة أخرى وأعود أحاول النهوض فما أن أنهض حتى أقع وهكذا يوم بعد يوم وفترة بعد فترة والعمر يمضي أخاف أن أموت وأنا على هذا الحال فكيف سأقابل ربي العظيم الذي خلقني ليسعدني فإلى متى والعمر قد ولى ومضى فما هو السبيل إلى وقفة ونصر دون وقعة ودحر قبل فوات الأوان أسعفني بما تراه مناسباً يا من به شفائي، ولكم جزيل الشكر.
قال رسول الله ﷺ: (النجاة في الصدق). كما قال ﷺ: (مازال العبد يصدق ويصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً..).
فأنت يا أخي بسلوكك طريق الإيمان هذا الطريق الراقي قد غامرت بشرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم. إلا أن في الطريق صعوبات وعقبات من داخل النفس لابد من اجتيازها ولابدَّ من متابعة المسير وزيادة الصدق في هذا الطريق العلي فإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام.
فالذي ينتسب إلى المدرسة طالباً العلم والمعرفة تراه يخطئ ويصيب وإن أخطأ مرة هل يترك المدرسة؟! وينسحب من الميدان فأنت بسلوكك هذا الطريق تصارع الباطل وتصارع نفسك ونزواتِها وتردُّ جماحَها. وفي النفس عقبات وعلل لابدَّ من ظهورها لك ليتم شفاؤها وتجاوزها لأنها هي التي توقف لك سيرك الإيماني النوراني لتدخل مرحلة إيمانية جديدة ويغفر لك الله ما قد سلف، قال تعالى: {..لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ..} سورة إبراهيم: الآية (10): شيئاً فشيئاً وذنباً وراء ذنب، ولابدَّ من ظهور العلة والذنب الذي قطعك عن هذا الحال الإيماني العالي، وبالالتجاء إلى الله يتم معالجتها وشفاؤها ولا تعود لها بعدها أبداً وبذلك تتخلص من الشوائب كلها. ويحتاج هذا لوقت، فالعلم بالتعلم، فشهادة الدكتوراه تحتاج عشرين سنة دراسة، ألا تحتاج شهادة ألا إلۤه إلا الله لبعض الوقت. فأنت تتعلم من نفسك دروساً كبيرة والله يريد هدايتك وشفاء قلبك.
فالإنسان السالك لديه مراحل ومراحل في طريقه الإيماني لابد من أن يجتازها واحدة تلو الأخرى، والمرحلة الأولى تختلف عن الأخرى ولكل مرحلة عقباتها ومشاكلها، على أنه يجب أن تواصل المسير دون ملل ولا كلل فأنت في جهادك هذا تخوض حرب شعواء ضد نفسك وهواها وهذا هو الجهاد الأكبر.
كما أنه لابدَّ لكل شيء من علة وسبب، فالطائرة إذا علَت عن الأرض وحلَّقت في الأجواء ومن ثمَّ هوت وسقطت، فلابد من خلل وعطل فني أدى إلى سقوطها. وبإزالة السبب تزول النتيجة، فلابدَّ من أسباب ومسببات تعترض طريقك حتى أنك تقع كما تقول.
وبرفع الأسباب تختلف النتائج، على أن الأمر يحتاج زيادة كدٍّ وجدٍّ.
ومن طلب العلا من غير كدٍّ أضـاع العمر في طلب المحال
ومن طلب العلا سهر الليالي
وما قصة النملة التي كانت تحمل قشةً تريد صعود صخرة ملساء عنك بغائبة.
وهذا عندما انتسب أحد المريدين إلى مدرسة يريد اكتساب العلم والمعرفة وفي بداية طريقه رأى أن المشوارَ طويل والأمرَ صعب، ففترت همّته وقرر الانسحاب والتراجع.
وراح ذات مرة لقضاء إحدى حوائجه فرأى نملة تحاول صعود صخرة ملساء، وقف يراقبها ويراها تحاول مرة وتسقط أخرى حتى نجحت في نهاية المطاف بعد أربعين محاولة، لم تمل ولم تيأس خلالها أبداً. فأخذ درساً بليغاً من هذه النملة وعاد إلى مدرسته لمواصلة طريقه.
فعليك يا أخي بمواصلة المسير وإزالة العقبات والأسباب التي تجعلك تنتكس، وذلك بتطبيقك الحازم للقوانين الإيمانية دون تفريط بصغيرة ولا كبيرة ومصاحبتك القلبية لأهل الله ومن والاه قال تعالى: {..اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} سورة التوبة: (119).
فطلبك عالٍ وعظيم، وستنال عليه عطاءات لو قارنتها بشهوات الدنيا وملاذها لم تعادل الأخيرة إلا ما يعادل كأس ماءٍ إذا قرنته بماء المحيط.
وللنفس نزوات وميولات فعليك بالصبر عن الشهوات، فالصبر مفتاح الفرج وستنال عليه عطاءات وجنات كبرى فليس هذا الأمر بالسهل، فهاهو العارف بالله أبو يزيد البسطامي يقول تعلمت أسرار الوجود كلها بعشر سنوات ولم أخلص من علل نفسي بأربعين سنة.
فهذا هو الجهاد الأكبر جهاد الهوى والنفس وكله محسوب لك بالمثاقيل ولا يضيع الله مثقال ذرة ولا أقل من ذلك.
فعليك بإتمام المشوار حتى نوال المرام فالآخرة لها حقها وحقها ثمين وغالٍ.
أتحسب المجد تمراً أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرَ
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا..} سورة العنكبوت: (69).