ما تأويل الآية (21) من سورة الزمر؟

أريد تأويل الآية (21) من سورة الزمر: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ}.

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً..}: يحضنا الله عزَّ وجلّ لكي نسعى للوصول بالأصول فنحصل على هذه الرؤية، ونرى أن يد الله هي المتصرّفة في شؤون الكون كله، ونتوصل لنشاهد ألا إلۤه إلا الله فالمسألة مسألة شهود بعين البصيرة وليست بالأقوال "باللسان" لأنك يا مسلم تقول أشهد أن لا إلۤه إلا الله.
فهل يقبل القاضي العادل من الشاهد أن يقول: (أشهد بالحادثة الفلانية) وهو لم يرها؟! والله عزّ وجلّ يأمرنا: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ..} سورة محمد: الآية (19).
والآية تقول: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ..}: أي ماذا تنتظر أيها الإنسان وما الذي يشغلك عن هذه الرؤية، وأنت لم تُخلق ولم تخرج إلى الدنيا إلا من أجلها، قال أحد العارفين بالله: (إن امرؤٌ ذهب من عمره ساعة في غير ما خلق له حريٌّ أن تطول عليه حسرته يوم القيامة).
ونزول الأمطار نراه وكذلك نرى الدورة المائية، ولكن المطلوب هو أن ترى يد الله هي الحاكمة المسيّرة.
{..فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ..}: وجاءك تعالى بكل احتياجاتك، فسلك لك المياه العذبة الرقراقة الصافية الآتية من الأقطاب ببرودتها الشديدة، كل هذا هدايا يُواددك الله بها ولكي تفكِّر في هذه النعم فتحب الله على ما يغزوك به من نعمة فتستنير بنوره فترى الخير من الشر وتنال الخير.
{..ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ..}: من أين هذه الألوان المتنوعة المتعددة وهذه الصبغات المختلفة من الذي لوَّن وأخرج وهي في الأصل بذرة ميتة، يد من أوجدت وأبدعت ألا يجدر بك أن تفكر وتدقِّق في هذا كله، حتى تتوصل لتلك اليد المسيّرة الحنونة الرحيمة وهذا كله زائل ومنقضي والله هو الباقي الذي لا يزول، فابحث عن الدائم جلَّ فضله ليدوم لك العطاء منه.
{..فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً..}: يفقد الحياة والنضارة والاخضرار، إذن: مَن الممد له الذي أخرجه ودبَّ فيه الحياة من ثمَّ قطعها عنه؟ ماذا تنتظر أليس حري بك أن تتعرف عليه جل شأنه!
{..ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً..}: لا حياة فيه.
وهكذا الدنيا تبدأ جميلةً نضرةً لا تدوم، بل تفنى وتزول والإنسان يخرج طفلاً ثم شاباً يتمتع بالقوة والنشاط والجمال، ثم لا يلبث أن يهرم ويشيخ ويموت فلا باقي إلا الله فكل من تتعلق به من الدنيا نهايته إلى الفناء والزوال وأنت أيضاً لك بداية ولك نهاية.
{..إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ}: أصحاب القلوب الحيّة بالله المؤمنون، أي أولئك اهتموا باللبّ وتركوا القشور، فتفتحت منهم عين البصيرة.
الذين فكّروا واهتدوا هذه الآية تذكِّرهم بربهم وبنهايتهم.