قلت لزوجتي أنت طالق بالثلاث

قلت لزوجتي أنتِ طالق بالثلاث لأمر معين، إلا أنني بعد ساعة غيّرت رأيي وخفت عليها لبكائها، ومن يومها وأنا محتار.
أفيدوني ماذا أعمل جزاكم الله ألف خير والسلام عليكم.

بما أن الرجال قوامون على النساء: هذه قاعدة عامة وغاية هامة من الزواج الإنساني، فالرجل هو المكلّف بالنهوض بزوجته لمداخل الإيمان العالي (برابطتها به وبتقويمه لها بالحسنى) ونجاتها من براثن الدنيا الدنيّة؛ فهذه الغاية الأسمى من الزواج، ولكن إن حصلت النزاعات بين الطرفين (الزوج وزوجته) وساءت أحوال معيشتهما سوياً، فإذاً وعلى سبيل المثال لم تستجب معه لأوامر الله... عندها أباح الله له سلوك خطوات الطلاق، لعلها تستجيب أثناءها لأمر الله لئلا يتم الفراق. فكما أن الزواج ليس بكلمةٍ هو قائلها بل له مراحل، وكذا الطلاق له مراحل (قوانين) يجب اتباعها، وغاية هذه القوانين (الطويلة المدى) أن تعود بها المرأة لرشدها وتخضع للحق لتدخل دائرة السعادة دنيا وآخرة، وإلاَّ فالفراق.
قوانين الطلاق:
1- الوعظ: قال تعالى مخاطباً المؤمنين في سورة النساء الآية (34-35): {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ..}: خروجهن عن طريق الحق (هذا فقط الذي يستدعي سلوك قوانين الطلاق). {..فَعِظُوهُنَّ..}: ذكِّرها بالموت، بالآخرة. يجب أن تتعلّم أنت وتعلِّمها، فإن لم تستجب له (للحق) عندها يسلك الخطوة الثانية:
2- {..وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ..}: لا تلتفت نحوها في الفراش، أَحْسِن معاملتها في النهار واهجرها في المضاجع. إن لم ترجع عندها تسلك الثالثة:
3- {..وَاضْرِبُوهُنَّ..}: ضرب إنساني غير مبرح. المرأة لا تُضرب إلا عند ترك الصلاة والصوم.
{..فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً..}: ما عاد لك عليها سبيل إن رضخت للحق {..إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً}.
{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا..}: أهلها خافوا الشقاق، إذ أنها لم تستجب رغم اتخاذ الخطوات كاملة عندها:
4- {..فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً}: فدواء المرأة (وعظ، فهجر، فضرب) الحكمان يحاولان الإصلاح عسى أن يتم ولا يقع الفراق.
قال تعالى مبيّناً ذلك في سورة الطلاق الآية (1): {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ..}: ألا وهي مدة الهجر. إذاً هنا بيان لاتِّباع قوانين الطلاق من وعظ، هجر، ضرب. {..وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ..}: ولتستطيعوا تطبيق ذلك الأمر الإلۤهي: {..وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ..}: خلال الهجر يعاملها أفضل المعاملات الإنسانية ولكن عند النوم يدير لها ظهره ويمتنع فقط عن مقاربتها.
وبيَّن لنا تعالى مدة العدة في سورة البقرة: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ}: يهجرها أربعة أشهر إن لم يُجْدِ الوعظ، وهذا حد صبرها عن المقاربة لا تصبر أكثر، وبعد ذلك إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
فهذا بيان من الله ينفي أن الطلاق هو فقط بعقد اليمين، ولا طلاق إلا باتباع هذه القوانين، حتى ولو عقَدَ اليمين يترتّب عليه فقط دفع كفارة يمين الطلاق، أي إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم.
قال تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} سورة المائدة (89).
{..فَإِنْ فَاؤُوا..}: للحق الطرفان. {..فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ..}: بعد أربعة أشهر. {..فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} سورة البقرة، الآيات (226-227).
وإن حصل الطلاق، قال تعالى مبيناً ذلك: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ..}: تبقى في بيت زوجها ثلاث حيضات. {..وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ..}: إن كانت حاملاً، إذ بهجره لها أربعة أشهر ثم ببقائها من بعد الطلاق في بيته (ثلاث حيضات أي ثلاثة أشهر تقريباً) يصبح لها سبعة أشهر مهجورة (أربعة قبل الطلاق وثلاثة بعده) عن المقاربة فإن كانت حامل حتماً سيظهر حملها واضحاً ولا تستطيع النكران لتخلص من البقاء في بيته لأن عدتها تصبح ممتدة (لتلد حملها)، وخلال ظهور الحمل جلياً يعود الاثنان للتفكير بمصير المولود ولربما تُذعن للحق ويرجعها، وهذا ما يريده الله وتلك من حِكَمِ الله تعالى من تلك الخطوات. {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاَحاً..}: من أجل الولد، وخلال مُدَّة القروء الثلاثة. {..وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ..}: يعاملها كزوجة وله الحق خلالها بإرجاعها، عندها يرفع الله شأنه.
ويبيّن لنا تعالى في سورة الطلاق (1): {..لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ..}: إذ لا يسمح لها بالخروج من بيت زوجها مدة العدة والقروء الثلاثة والحاكم يُشرف على ذلك. تلك حدود الله... {لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً}: عند بقائها في بيت زوجها لعل ترجع للحق.
فلا يتم الطلاق بمجرَّد كلمة (طالق) أبداً وقطعاً حتى لو كانت عن نية وعزم، فإن لم يرفقها بخطوات الطلاق فليس هو الطلاق أبداً، إنما أيمان ويدفع كفارة يمينه، ولا تعتبر المرأة مطلَّقة أبداً، فبرؤيتها لمعاملته الإنسانية الجيدة خلال فترة بقائها في بيته وترى أن معاملته لله ليس لشهوة أبداً فبذا يمكن أن تفكّر وتعدل عن غيِّها وتؤوب للحق.