تأويل الآيات (19- 22) من سورة النجم

السلام عليكم
سيدي الفاضل أرجو شرح الآيات من سورة النجم:
بسم الله الرحمن الرحيم {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى(22)} ولماذا عبّر الله عن هذه القسمة بهذه الكلمة: (ضِيزَى)؟
ولكم جزيل الشكر.

كان سدنة الأصنام والسحرة من العرب، هؤلاء الخَدَم للآلهة المزعومة يقولون للعرب: إن تريدون أن تحقّقوا كل أمانيكم، فهذه اللات الآلهة تحقّق لكم ما تشاؤون.
{..اللَّاتَ..}: مأخوذة من: (ليتَ)، فالأماني تتحقّق عند هذه الآلهة، بشرط: أن تقدّموا لها الذبائح والأموال.
والحقيقة: أن الأماني لا تنتج شيئاً بقوله تعالى: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً} سورة النساء: الآية (123)
فكان سدنة الأصنام السحرة يخدعون الناس ويسلبونهم أموالهم، ويقولون هذه: {..الْعُزَّى}: تجلب لكم النصر. فالذي يطلب النصر والمعزّة والعلو، فتلك العزى تُحقّق لكم هذا العلو والرفعة والعزّة، ولكن عليكم أن تقدّموا لها الأموال والذبائح.
{وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى}: كذلك كل أمانيكم الجنسية. هذه مناة الآلهة تحققها لكم "هذا ما يقوله السدنة السحرة للعرب"، فلكل مسمّى مدلول لاسمه، فهذه الأسماء للأصنام التي كان العرب يعبدونها ويتخذونها آلهة من دون الله، تدل على اعتقادات العرب بتلك الآلهة، ولم يعرفوا أن الخالق وحده الفعال المتصرّف بشؤون الكون كله وهو الذي بيده الخير والرفعة، والعزّة لله جميعاً وهو الذي يرفع الضّرُ وحده.
في هذا الدرك المنحط كان العرب حينما جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم {..وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا، يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} سورة النساء: الآية (119-120). فأنقذهم صلى الله عليه وسلم من تلك الضلالات والجهل وحقّق لهم العزّة بالحق {..وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ..} [سورة المنافقون: 8]، وجعلهم هداة مهديين.
{أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى}: يُثبت تناقضهم وجهلهم، وأنهم في دعواهم هذه على الباطل، إذ يقولون الشيء وبالعملي ينقضونه بالعمل. يرفضون الأنثى أن تكون مولوداً لهم، وبنفس الوقت كانوا من عباد الشهوة الجنسية لدى نسائهم، وقد ضيّعوا جناتهم وخيراتهم على مذبح النساء، كانوا يعشقون النساء ويرفضون مجيئهن عندهم كمولود. فتراهم في كل قصيدة مهما كان موضوعها يقفون في المقدمة عند المرأة والتغزل بها وبوصفها، ومن ثمّ يدخل بموضوع قصيدته الأصلي من رثاء أو هجاء أو ثناء أو سياسة...إلخ. يفعل الشاعر هذا ليلفت الانتباه إليه، يتغزَّل بالمرأة ليوجّه الأنظار لدى العموم لما سيقوله.
إذن: فهم في تناقض صريح، يحبّون النساء لشهوتهم وتراهم في نفس الحين يكفهر وجه أحدهم إذا بشر بالأنثى. وكان العرب القدماء يئدون بناتهم وهنَّ أحياء، فما أقساهم!
كذا وقعوا بدعواهم وطلبهم أولاداً ذكوراً فقط دون الإناث باللامعقولية، فهذا غير منطقي عملياً، فلو حقّق الله طلبهم ولم يبعث لهم إلا الذكور ولم يأتهم إناثاً، فسينقطع النسل والحرث فهذا الطلب غير منطقي ولا معقول، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى: كان العرب القدامى يعظّمون سيدنا إبراهيم وينسبون أنفسهم إليه دون جميع المرسلين، ومذ علموا نبأ هلاك قوم لوط الذين هم قوم سيدنا إبراهيم الأصليين والذين هلكوا بعلتهم الخبيثة تلك وهي (اللواطة)، وقرّعهم رسولهم بقوله: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} سورة الشعراء: الآية (165). وعندما لم ينتهوا جعل الله الأرض عليهم عاليها سافلها وأمطرهم بحجارة تقذفهم وحمم نارية تمطرهم بما قدمته أيديهم.
وعلم العرب هذا النبأ وهلاك قوم لوط، فاهتزت الناس جميعاً بتلك الأنباء وبهذا العمل المنحط المخزي الذي كان قوم لوط أتوه.
والعرب في شبه الجزيرة العربية كانوا يشمئزون من اللواطة، لكرم أخلاقهم ونخوتهم وكذا لحبهم لسيدنا إبراهيم عليه السلام ونسبِ أنفسهم له، فاستحقر العرب عمل قوم لوط، ولم يُذكَر في شبه الجزيرة العربية كلها قبيل الإسلام أن أحداً من العرب فعل هذا الفعل القبيح، إلى عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أول حادثة وقعت قرب العراق "كذا ليس بالجزيرة العربية بل باتجاه العراق"، وعندما سمع الخليفة عمر بهذا الجرم أغمي عليه وأشار إلى سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يحكم عليهم، وعلم عندها سيدنا عمر أن الإسلام بدأ يضعف.
وهنا في هذه الآية: {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى}: يهدّد الله العرب أن إذا حقّق لهم طلبهم فأرسل لهم ولداناً ذكوراً ولم يبعث لهم إناثاً، فسيصيب المجتمع الشذوذ الجنسي لفقدان الإناث وسيقعوا بما هم يكرهونه ويشمئزون منه.
فخاطبهم الله بما يحرك فيهم دواعي النخوة والشهامة، فقال لهم: إذا تحقّق طلبكم وأرسلت لكم الذكور فقط، فستصبح هذه القسمة: (قسمة ضيزى) أي: ستصبح الشهوة لديكم شاذة كقوم لوط، فهذه القسمة تجركم إلى الشذوذ الجنسي، فهي قسمة غير عادلة ولا منطقية تؤدي بكم إلى اللواطة، وهذا ما عنته كلمة (ضيزى) أي: المكان الذي لا يزرع فيه فلا يبقى زرع ولا ضرع.
وبهذا التهديد بطل نهائياً عند العرب المسلمين تفضيل الذكور على الإناث، لأنه خاطبهم تعالى بما يفقهونه ويعقلونه.