استفسار حول قصة سيدنا أيوب عليه السلام، وما معنى أم الكتاب؟ واللوح المحفوظ؟

- حول سؤالي عن نوع الضر الذي أصاب نبي الله أيوب عليه السلام وبعد قراءتي قصته استوقفتني مسألة استجابة الله وكشف الضر، بأن هدى قومه هل هداية قوم استجابة لنبي لا يتنافى مع عدل الله؟ ومع قوله لرسوله إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وكيف يمكن أن نفهم إنا وجدناه صابراً أم أن للأمر أبعاد أخرى لم أفهمها؟
- ماذا تعني أم الكتاب؟ وما هو اللوح المحفوظ؟
- شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن... ومعلوم أن السور نزلت أيضاً متفرِّقة بحسب الأحداث فمتى وكيف بالضبط نزل القرآن؟
- المسيح الدجال هل هو رجل؟ وسيأتي حقاً؟ أم هو العلم والتكنولوجيا التي نشهد وإذا كان رجل ما الحكمة من مجيئه؟ ومن أسماء الله الهادي؟
- كيف نعرف أن ما أصابنا ابتلاء أو اختبار أو عقوبة أو نتيجة طبيعية لسلوك أو درس لمعرفة الحقيقة وفرصة لتزكية النفس؟
- علما أننا نستشعر أحياناً أيهما حسب الموقف فهل شعورنا صحيح؟ وأحياناً لا نجد تفسير.
- سواء في أنفسنا أو في الناس من حولنا كأن نجد صبي مبتلى ومظلوم مثلاً؟ أم هو غيب يعلمه الله وحده؟
- سؤال غريب وغير منطقي تبادر لذهني لماذا لا نموت في سن واحدة؟ من العدل أن لا نعرف متى نموت لا شك ومن المنطقي أن نجهل ليبقى العلم للعليم ولكن هل من العدل أن يموت البعض شباباً والبعض كهول والبعض أطفالاً؟
لاسيما مع تغير الإنسان قد يتحوَّل من طالح إلى صالح أو العكس والفتى الذي قتله معلم سيدنا موسى لا شك أن الموت أفضل له ولوالديه إن لم يكن سيحاسب لسوء نفسه.
عذراً على الإطالة وجزاكم الله خير الجزاء.

1- لابدَّ من الرجوع إلى قصة سيدنا أيوب في كتاب عصمة الأنبياء للعلامة محمد أمين شيخو تجدي جواب سؤالك واضحاً بيناً.
والمسألة بالهداية متوقفة على مشيئة الإنسان ذاته وبناءً على طلبه وسعيه واجتهاده. والرسول يتمنى لهم الهداية ويطلب من ربه أن يدلّه إلى سبل إنقاذهم من الظلمات إلى النور والله يرشده ويستجيب له إن كان فيهم ذرة قابلية، إذ أن الله مع الخير ويستجيب للخير بأن يأخذ بأيديهم إلى سبل الإيمان، وكانت استجابة الله لنبيه سيدنا أيوب عليه السلام أن دلَّه أن يهاجر إلى قومٍ قريبين منه يستجيبون معه للإيمان وعاد بهم عليه السلام بعد أن آمنوا إلى قومه الأصليين فآمنوا جميعاً. بعدها نفس الحوادث جرت مع سيدنا محمد ﷺ وأهل مكة ما استجابوا وقاتلهم بأهل المدينة "استجابوا".

إذن: الأمر كله موقوف عند مشيئة الإنسان ذاته في الهداية أو عدمها والرسل تسعى جهدها وتتمنى هداية العباد ولكن المسألة ليست عندهم فهذا سيدنا نوح لهم يهتدِ ابنه معه.
وكذلك سيدنا إبراهيم لم يستجب أبوه.
ولم يؤمن عمُّ النبي أبو لهب لدعوة الرسول ﷺ.

2- السؤال كيف نفهم (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً)؟.
الجواب:
صبر سيدنا أيوب على قومه كما صبر سيدنا محمد على قومه قريش بعد الدعوة /23/ سنة حتى آمنوا و /40/ سنة قبل الدعوة. صبر على كفرهم وعنادهم وهذه المرتبة مرتبة الصابرين أعلى المراتب على الإطلاق وأعظم المنازل كما في سورة العصر: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.
فبصبر سيدنا أيوب على قومه تفضل الله عليه وجعل هداية قومه على يديه.

3- أم الكتاب:
هي نفس الرسول ﷺ حيث القرآن بحقائقه ومعانيه يَؤمّ إلى نفسه الشريفة ﷺ. وذلك لمّا وجده تعالى فيها من رحمة وحنان وعطف على الخلق وطلب لإنقاذهم من الظلمات لذلك أعطاه القرآن. والله المعطي وهو ﷺ القاسم.

وأنت أيها المؤمن حتى تفهم معاني القرآن لابدّ من الارتباط القلبي به ﷺ وتقديره ومحبته والإيمان.

اللوح المحفوظ: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ ، فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ}:
اللوح: هو اللوح الصدري للمصطفى ﷺ المستقر في نفسه الشريفة، فهذا القرآن مثبت ومحفوظ في نفس رسول الله ﷺ المستقرة في صدره وقد حوى ما كان وما سيكون وكذلك صفحة نفس الرسول المستقرة في صدره، إنما هي باللوح الصدري لأنه لاح منها للناس من حقائق القرآن ومعانيه ولا يمكن أن ينمحي أو يزول فهو محفوظ بإقباله ﷺ الدائم على الله.

4- متى وكيف نزل القرآن الكريم بالضبط:
القرآن نزل جملة واحدة على قلب المصطفى ﷺ وذلك في ليلة القدر في رمضان لأن نفسه ﷺ نقية لا شائبة فيها فهي تتحمل ذلك التجلي الإلۤهي العظيم المرافق لقول ربِّ العالمين.

أما بقية الناس فليسوا أنبياء فلا مقدرة لديهم للتحمل كما هو الحال عند رسول الله، لذا نزل القرآن متفرقاً آية آية من أجلهم وعلى حسب الأهلية الإيمانية والمقدرة النفسية والأحداث الجارية والمناسبات وبما تقتضيه الحكمة الإلۤهية فتمَّ تنزيل القرآن عليهم خلال /23/ سنة، وبهذه الفترة تنقت نفوسهم وتهذبت وشفيت وتزكت حتى اكتملوا ونضجوا وغدوا علماء حكماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء بعدها انساحوا على العالم لإخراجهم من الظلمات إلى النور ويهدوهم كما هم اهتدوا. إذن: بفترة /23/ سنة تنزل القرآن على الصحابة الكرام وخلالها كلها عبر ودروس.

أما على قلب الرسول ﷺ نزل القرآن دفعة واحدة بحقائقه ومعانيه وعلى الصحب الكرام آية آية متفرقات وعلى حسب الأحداث وأسباب النزول {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً..}: لِمَ هذا التفرق أجاب تعالى: {..كَذَلِكَ..}: أي قد نزل جملة واحدة على قلبك بإقبالك وصدقك. طبع الله الحق في قلبه ﷺ جملة واحدة: {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} سورة الفرقان: الآية (32): أنزلناه بعد ذلك مرتلاً عندما تدعوا الحوادث شيئاً فشيئاً "أسباب النزول"، إنما رتلناه تعليماً وتسهيلاً لكم.

5- بالنسبة لسؤالك عن أعور الدجال:

إن أقررنا أن وجود أعور الدجال حقيقة فهذا يعني أننا أشركنا بالله ما لم ينزل به سلطاناً.
فما ورد بالأثر على حسب الروايات المتواردة عن الأعور الدجال أنه (يأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت): وهذا الأمر تسييره وتدبيره بيد الله وحده ولا شريك له بذلك وهي من الأمور التي اختصها الله لنفسه حيث قال: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} سورة لقمان: الآية (34): فإنزال الغيث بيد الله وحده ولا شريك معه في ذلك مطلقاً ولا يستطيع مخلوق أيّاً كان ولا أمم، ذلك مستحيل ثم إن الله لا يرسل من يضلل الناس عن الهدى ويمكنه من ذلك بأن يجعله يحيي ويميت كما زعموا عن أعور الدجال المختلق لقوله تعالى: {..وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً} سورة الكهف: الآية (51). والله وحده فقط يحيي ويميت.
وبعد: إن كان لأعور الدجال هذه القدرات الخارقة على حدِّ زعم الروايات فلِمَ لا يُرجع عينه العوراء. قول لا أساس له من الصحة بل من الخرافات التي ألصقت بالدين لتشويهه.
وإن عدنا إلى كتاب الله القرآن لا نجد ذكراً لتلك الأسماء (أعور الدجال).

6- السؤال: كيف نعرف أسباب الابتلاءات؟.
الجواب:
صاحب البيت هو أدرى بمن فيه ومالك الكون هو أعلم بملكه، وهو رحيم بهم ولا يسوق لهم إلا ما فيه خيرهم فليؤمن الإنسان بربه ويتعرف على صاحب الملك والأمر المسيّر لهذا الكون ولْيسأله عن تصرفاته في ملكه والله يُعلِّمه ويهديه، (كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم..). وبالتقوى يقذف الله في قلبه نوراً ويرى الحقائق، (قلوب العارفين لها عيون "عين النفس" ترى ما لا يراه الناظرون)، ويفهم مراد الله من خلقه، {..وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ..} سورة البقرة: الآية (282).

7- لماذا لا نموت في سن واحدة؟
الخبير بالسيارات وقوة محركها إذا قاس كمية البنزين المودع في خزانها فإنه يقدِّر كم من المسافة تقطع السيارة مسيراً فيقدّر مثلاً مئة كيلومتر للتنكة وبعده يفرغ المستودع من الوقود ولا تستطيع السير أبداً فهذا التقدير الذي يقدر يكون صائباً مئة بالمئة إن كان خبيراً حاذقاً وعلى حسب نوع السيارة.
والله تعالى الخبير بكل نفس خلقها وما لديها من الإمكانية والطاقة، وعليم بكل نفس وما حوت من رغائب وطلبات فوضع لها أعماراً مناسبة لإمكانياتها وطاقاتها. وحكم العدالة في البرية ساري.

هذه الأسئلة السابقة كلها من البديهيات لمن يقرأ في كتب العلامة محمد أمين شيخو قدس سره. وإذا أحببتِ أن تعلميها وبما فيها من حقائق واقعية ومنطقية وحِكَم وعلوم، فاقرئي كتب العلامة الكبير محمد أمين شيخو تجدي أجوبة هذه الأسئلة وغيرها بشكل مفيض ولا تحتاجي أن تسألي أحداً بل تندفعي لتعلِّمي الناس بهذه البديهيات.
وأنتِ سألت أولاً عن الضر الذي أصاب سيدنا أيوب فاقرئي كتاب عصمة الأنبياء تجدي جواب سؤالك وكذلك مسألة القضاء والقدر بالنسبة للسؤال الأخير عن الأعمار.