إذا شتمت أحداً بعد وفاته هل يؤذيك؟ وما معنى كلمة (مريد)؟

إلى شيخي العزيز (الديراني) حفظك الله وراعاك:
لدي موضوع وأنا بأمس الحاجة إلى مشورتك، الموضوع كالتالي:
بالنسبة للمقابر وما يحدث حولها من زائريها، طبعاً مقابر الأولياء وبالتحديد في سوريا، أسمع بأذني أنهم يتوسّلون إليهم.
ويقول آخر: لا تأتِ بحديث سوء على هذا الولي أو الشيخ فلان لأنه سوف يؤذيك.
إذا كان بعد أن مات يستطيع إيذاء الناس فلماذا لم يؤذِ الذين شتموا رسول الله ﷺ؟
أم أنهم أرواح لا تسمع سوى من يغتابهم فقط؟
وما معنى المريد؟ يقولون أنا مريد الشيخ فلان على سبيل المثال، على أننا لم نسمع من الصحابة شيء كهذا، أو قدَّس الله سرّه.
مثل أنا أؤمن الإيمان الكامل بوجود أولياء لله، ولكن ليس بالشكل الذي يريدهم هؤلاء، هل أنا على صواب وأرجو منك أن ترشدني والحمد لله رب العالمين.

- جواباً على سؤالك يرجى الرجوع إلى كتاب كشف خفايا علوم السحرة صفحة /23/ وما بعدها.
- عندما جوبه رسول الله ﷺ من المشركين بمثل هذه القول وهو: (لا تأتي بحديث سوء.... لأنه سوف يؤذيك)، أجابهم وكما ورد بالآيات /194 - 195/ من سورة الأعراف: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ...}: ما توا وأخذوا عملهم. {..فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}: هل حقاً يستجيبون فيتكلمون وينظرون ويعملون ويحقّقون طلباتكم؟ والرسول الكريم يقول: (إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله..)، فهؤلاء ماتوا وفقدوا أيديهم وأرجلهم وأبصارهم وأسماعهم وعاشوا بعالم آخر، فسألهم ﷺ هؤلاء الأموات: {..أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا..} الميت فقد القدرة على رجليه فلا يستطيع المشي. {..أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا..}: لقد فقدوها جميعاً، فكيف يطلبون ممن لا يملك أيدٍ ولا أسماع ولا أبصار؟! بل غادرت نفوسهم هذا العالم الدنيوي فلا يستطيعون القيام بأي عمل لفقدان الوسائل، فكيف يطلبون منهم ولا يؤمنوا ويطلبوا من الله؟!
- بما أنك تؤمن بأن هذا الكلام لا أصل له فلم تسألنا؟!
- إذا كنت لا تعرف ألا تحب أن تعرف؟! تعلَّم يا فتى فالجهل عار.
بكل بساطة كلمة: (مريد) مشتقة من: (أراد)، فإذا شخصٌ ما كره الباطل وأهله لما يعود عليه بالسوء، وأحبَّ الحقَّ وأهله لما يعود عليهم وعلى المجتمع بالخير، ورأى مرشداً يدعو إلى الخير وإلى الله ورسوله وكتابه، فأراد أن يستقي من معينه ليسمو ويتسامى، ليغدو إنساناً بالمعنى الحق، فهو مريد للحقّ وأهله.
كلمة عربية واضحة فما علاقة الصحابة بهذا؟!
- وهل كنت في زمن الصحابة؟ حتى قلت: لم نسمع بهذه الكلمة. مع أن الصحابة الصادقين كانوا كلّهم يريدون الحقّ وأهله، فأرادوا رسول الله إماماً ومرشداً لهم إلى الخير والفضيلة والكمال، فكلّهم مريدون لرسول الله ولله تعالى، فليس في كلمة مريد أي نقد أو تجريح، فالصحابي: (مُريد) بضم الميم، والشيطان: (مَريد) بفتح الميم، أي: لا يُريد الحق بل يعاديه وأهله.
- إنك وضمن ما ذكرناه على صواب... وعلى كلٍّ: الذين ماتوا يحذّرنا الله تعالى من إضاعة وقتنا بالكلام عليهم وألا ننسى سلوك طريق الإيمان وتطبيق كلام الحق بآية: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} سورة البقرة: الآية (134).
فلِمَ يشتمونهم؟! وما يهمك إن شتموهم أم لم يشتموهم؟! فربهم أعلم بهم وبعلاجهم.
ونضيف كلمتين مذكورتين أيضاً بكتاب كشف خفايا علوم السحرة:
لقد انقسم هؤلاء المخطئون قسمين:
ففئة نسبت الفعل للمخلوق الميت، وتركوا ربّهم وطلبوا منه كما يطلب بعض الناس على سبيل المثل من الشيخ محي الدين رحمه الله: أن ينجّح تجارتهم، أو أن يأتي امرأته بغلام ذكر أو لأنها عاقر، أو يستفتيه بإفتاءاتٍ كثيرة.
وهذا كما مرّ معنا هو شرك وقامت فئة ثانية للقضاء على هذا الشرك، فارتأوا من عقولهم لا من كتاب الله بإزالة القبور "قبور الأولياء"، ثم بجهلهم تجاوزوا الأولياء إلى الأنبياء إلى سيد الخلق، الذي يخاطبه تعالى في القرآن كله خطاب الحاضر لأنه رحمة للعالمين كلهم. وقرروا نسفه، فقطعوا أنفسهم عن رسول الله ﷺ، وبالتالي عن الله تعالى.
فهاتان الفئتان وقعوا بالإفراط والتفريط: الفئة الأولى وقعوا بالشرك، والثانية وقعوا بالتفريط. فقطعوا أنفسهم عن رسول الله وبالتالي عن الله، فكانوا بالخطأ سيّان، وغالوا.
مع أن القبور واردٌ ذكرها في القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ...} سورة التوبة: الآية (84). فكيف ينسفون هذه الآية؟! مع أن زيارة القبور تشرح الصدور، وهي وعظ مثمرٌ مفيدٌ لقلوب الناس أجمعين، ولقوله ﷺ: (كفى بالموت واعظاً)، فهذه حذفوها ولم يبقَ لديهم إلا الدنيا وأهل الدنيا الدنية، هم أهلوهم فضلُّوا وأَضلُّوا كثيراً، كما نكروا الوسيلة وهي واردة في القرآن الكريم عن رسول الله ﷺ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} سورة الإسراء: الآية (57). فرسول الله هو أقرب الخلق إلى الله فكيف يقطعون الناس عنه، وهم: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} سورة الأنعام(26).
- ما وجه النقد في كلمة: (قدّس الله سرّه)، فكلمة قدّس: طهر وتزكّى. وسرّه: أي نفسه التي في صدره، بسلوكها طريق الإيمان مع أهل الحق وكفّها عن المنكر والشر واتجاهها إلى الله مصدر الخير، قد شُفيت وازدانت بالكمالات "وهذه وظيفة رسل الله"، فكانت نفوسهم سابقاً بالضلال وملأى بالشر والصفات اللاإنسانية، فبسيرهم مع الحق وأهله شلحوا ثوب البهيمية وازدانوا بأثواب الإنسانية، إذ استأنسوا بالله وطهروا "ولا تزكو نفس إلا بربها"، فزالت من نفوسهم الأدران وامتلأت بحب الخير لكافّة البشر، بل ولكل ذي روح من المخلوقات.
فإذا سعى أي إنسان للإيمان ولصحبة أهل الحق القلبية، نال الكمال وتقدّست نفسه، أي" طهُرت وزَكَت. فالسرُّ: هي السريرة، النفس الخفيَّة، أصبحت نواياها كلّها خير، فهذا هو الإنسان الحق الذي استأنس بربه بمعيّة رسوله، فاستأنست به كافّة المخلوقات.
فلِمَ تَعْجَبْ يا أخي من هذه الكلمة؟! فكل صحابي قُدِّسَ سِرّه، فإن قلت عن أي صحابي قُدِّسَ سِرُّه كنت صادقاً، وبما أنه نال الخير الذي خُلق من أجله "أيُّ صحابي" فقد رضي الله عنه، ونجد أن الناس فضَّلوا كلمة رضي الله عنهم لأنها واردة بحقهم في القرآن الكريم، فكل من قُدِّسَ سُرّه هو كالصحابة الكرام، بغض النظر عن الدرجة لأن الصحابة تميَّزوا بصحبة رسول الله القلبية والنفسية وأيضاً بالصحبة الجسدية لسيد الخلق.
فليس بكلمة قُدِّسَ سِرُّه أي خطأ بالمعنى أو بالمبنى.