أسئلة حول سيدنا هارون عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي الفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أرجو من حضرتكم الإجابة على الأسئلة التالية:
- ما معنى اسم سيدنا هارون؟
- ما صلة القرابة بين سيدنا هارون وسيدنا موسى هل هو أخوه من أمه وأبيه أم أنه هناك شرح آخر للآيات (142 و 150 و 151 من سورة الأعراف)؟
- أرجو ذكر لمحة عن سيرة سيدنا هارون قبل تكليفه وسيدنا موسى بالرسالة عند قوم فرعون وبعدها ولماذا لم يتعرضوا له بالمضايقات رغم أنه كان يقوم بالدعوة إلى الله فيهم؟
- أرجو بيان كيفية وفاة سيدنا هارون ومتى توفي؟
ولكم جزيل الشكر مع فائق التقدير والاحترام على ما تتحفوننا به من فيوضات علامتنا الكريم السيد محمد أمين شيخو قدس سره الرباني.

بتغير الأزمان تتغير معاني الألفاظ وتتبدل المفاهيم فالمستحسن في القديم ربَّما يختلف اليوم مفهومه فيصبح العكس.
فمثلاً: كلمة (خان) في زماننا هذا هو الإسطبل والحظيرة، ولكن في الحقيقة كلمة (خان) كانت تطلق على دور الضيافة، أي كانت بمعنى فندق والفنادق وُجِدَت قديماً قبل ظهور السيارة حيث كانت الدواب هي وسائل النقل فعلى كل مسافة 40-50كم يكون هنالك خانات (فنادق قديمة) أي: أماكن لراحة المسافرين وهذا الخان مكوّن من قسمين الأول الأرضي للدواب والخيول والثاني من أجل راحة المسافرين ونومهم وطعامهم، وكمثال على ذلك: خان الحرير وخان مرجان في بغداد وغيرها كثير، ولكن بعد ظهور السيارة لم يعد المسافرون يحتاجون للإقامة في هذه الفنادق (الخانات) والتي بقيت فقط للحيوانات فانحط لفظ الخان بعد أن كان محترماً، والآن أصبحت كلمة الخان كلمة مذمومة تطلق على الحظيرة فتغيرت المفاهيم بتغير الأزمنة.

وكذلك كلمة (هارون) كانت معظَّمة مبجَّلة حتى أن الملوك كهارون الرشيد يتشرفون ويتسمّون بكلمة هارون، فسيدنا هارون العظيم كان معظَّماً مبجَّلاً على ممر السنين والأجيال والأزمان عند بني إسرائيل، سيدنا موسى يعظمونه لمعجزاته أما سيدنا هارون يعظمونه لإرشاده، وقد كان هذا الرجل العظيم معلِّماً لسيدنا موسى عليه السلام وقد رقى رقياً عظيماً في حياته وسما سمواً كبيراً، فكان مرشداً وما زال يسمو حتى أصبح نبياً ثم علا علواً كبيراً فأصبح رسولاً نبياً، فالحقيقة أنه أصبح في منازل القرب من الله وبالفتوحات الربانية التي طرأت عليه. ولفظ كلمة هارون تعني: هام بما رأى بإيمانه من جلال وعظمة وجمال ربه أثناء سعيه، لقد رأى ما رأى من عظمة الله وجلاله ورحمته وكبريائه فبقي عظيماً عند بني إسرائيل وبقي نموذجاً للصلاح والعبادة وأسوةً للأبرار الأطهار، حتى قال بنو إسرائيل لأمنا العظيمة السيدة العذراء مريم عليها السلام العظيمة والمعروفة بالطهارة والتقوى بأنها أخت هذا الإنسان العظيم فعرَّف الناس بالله، فهذا الاسم اسم مديح ولكن تغير الأزمان يؤدي إلى تغير المفاهيم.
فلفظ كلمة هارون مأخوذة من هام بما رأى من أسماء ربه البهيَّة، وهال السحرة مقامه حينما اتقوا وشاهدوا عن طريقه ومع سيدنا موسى أراهم أيضاً أسماء الله وهالهم أيضاً وهاموا بربهم.

ثانياً: تسأل ما صلة القرابة بين سيدنا هارون وسيدنا موسى:
نقول ليس من الضروري أن يكون الأخ هو أخ النسب فقط لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ..} سورة الحجرات: الآية (10). وهذه هي الأخوة الحقيقية التي اعترف عليها الله فجميع المؤمنين تآخوا فيما بينهم بالله وهذه الأخوة هي الدائمية وهي المعتمدة ولا تزول بزوال الدنيا، أما أخوة النسب فهي منقضية بانقضاء الدنيا، وقال تعالى عن المعرضين في الآخرة {..فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ} سورة المؤمنون: الآية (101). فسيدنا هارون أخو سيدنا موسى بالإيمان وفي الدعوة إلى الله إذ كانا على قلب واحد وفي طريق واحد، فهما أخوان بالصلاح والعبادة والطاعات والقرب من الله.
ومن المعروف أنه إذا اشترك شخصان في صفات متماثلة قالوا عنهما: أخوان فإذا ماثل شخص ما محمد علي كلاي بالقوة قالوا عنه أخو محمد علي كلاي.
والسيدة مريم عليها السلام قالوا عنها كما ورد في الآية: {يَا أُخْتَ هَارُونَ..} سورة مريم: الآية (28). أي: يا أخت هارون بالصلاح والعبادة والطاعات والتقوى رغم الزمن البعيد الذي ينوف على آلاف السنين بين عصر السيدة مريم وسيدنا هارون عليه السلام.

فإذن: اجتمع سيدنا هارون وسيدنا موسى على غاية واحدة وهدف واحد واشتركا في الطلب فكانا أخوين روحيين في تبليغ الرسالة وأخوة في الله فهناك شرح آخر لمعنى الأخوة في الآيات غير معنى أخوة النسب أما آية: {..يَا ابْنَ أُمَّ..} سورة طه: الآية (94): فكلمة (أم) مأخوذة لغوياً مشتقة من أمَّ يؤمُّ وسميت الأم أماً لأن الطفل يؤم إليها ويأوي إلى كنفها ويرتمي في أحضانها، كذلك بالرابطة النفسية الأخوية يَؤُمُّ قلب الأخ لأخيه ويغرف عن طريقه العلم والرحمة والشجاعة والكمالات عن طريق رابطته القلبية به ودوماً يؤمُّ قلبه لأخيه.

وهنا أيضاً سيدنا موسى وسيدنا هارون يؤمّان لطريق واحد ولدعوة واحدة، فهما أخوان في الله وسيدنا موسى قال كما ورد في الآية {قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} سورة المائدة: الآية (25). فسيدنا هارون وسيدنا موسى يسيران على نفس النهج ونفس الطريق ويؤمَّان لشيء واحد.
والسؤال لو كان سيدنا موسى أخاً لسيدنا هارون بالنسب، فلماذا لم تبعث أم موسى ابنها هارون "إن كان هذا حقاً" خلف أخيه سيدنا موسى عندما وضعته في الصندوق وألقت به في اليم لِمَ لمْ تبعث سيدنا هارون بل أرسلت أخته كما جاء في الآية {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ..} سورة القصص: (11). أي تتبعيه أين يذهب الصندوق ومن يأخذه فتتبعي أخباره.

والأَوْلى أن يخرج الرجل ويلاحق الأخبار ولا تخرج الحريم، إن كان سيدنا هارون أخاً لسيدنا موسى بالنسب فالحقيقة ليس سيدنا هارون وسيدنا موسى أخوة بالنسب إنما هم أخوة بالله وبتبليغ الرسالة وفي الدعوة إلى الله. وهذه هي الأخوة الحقيقية.

ثالثاً: وتسأل عن سيرة سيدنا هارون قبل تكليفه بالرسالة وبعدها.
كان سيدنا هارون مؤمناً مشهوراً بالعبادة والصلاح وعرف بحسن الأخلاق ولطف الطباع والإنسانية والرحمة والسيرة الحسنة والكمالات التي فرضت احترامه على الجميع وسيرته الطيبة الحسنة وعَمِل في الإرشاد وتبليغ الدعوة، فكان مرشداً صالحاً وكان سيدنا موسى يحضر عنده الدروس الدينية فكان معلماً فاضلاً، ولم يكن يتدخل بالسياسة، فكان محترماً ليس عند بني إسرائيل فحسب بل عند آل فرعون أيضاً، لذلك كانوا يقرون بفضل سيدنا هارون وفضل سيدنا موسى وأخلاقهما الحميدة ومن ذلك أتت الآية الكريمة حيث قال آل فرعون: {..أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} سورة المؤمنون: الآية (47). فسيدنا هارون وسيدنا موسى لم يكونا عابدين لآل فرعون ولم يتبعوهم ويسيروا خلفهم وآل فرعون يعرفون ذلك فاستثنوهم من عبادة فرعون بل وأقروا بفضلهما وبأنهما سادة إذ قالوا {..أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا..} وكلمة (مثلنا) دليل على اعتراف آل فرعون بشرفهما وعلو شمائلهما، أي: سادة مثلنا بالشأن والقيمة، أما قومهما فليسوا هكذا بل هم لنا عابدون.

هذه سيرة سيدنا هارون مثل سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قبل الرسالة الصادق الأمين اللطيف الطاهر. وكان نموذجاً للبر والطاعات والصلاح والعبادة وكان هذا الرجل العظيم معلماً لسيدنا موسى عليه السلام ولما صار سيدنا موسى نبياً، فكان هذا بصحيفة سيدنا هارون معلمه فرقي وسما سمواً كبيراً حتى أصبح نبياً ولما صار سيدنا موسى نبياً رسولاً كذلك علا سيدنا هارون علواً كبيراً فأصبح رسولاً نبياً فالحقيقة أنه في منازل القرب والسمو من جناب ربه جلَّ وعلا وبعد الرسالة تابع نفس السيرة الحميدة والاستقامة والصلاح والعبادة. حتى قدره بنو إسرائيل على ممر الأزمان والأجيال حتى عهد سيدنا عيسى عليه السلام حيث قالوا عن السيدة مريم العذراء كما ورد في الآية {يَا أُخْتَ هَارُونَ..} أي: يا أخت هارون بالعبادة والصلاح والبر والطاعات والتقوى.

وتسأل لماذا لم يتعرضوا له بالمضايقات رغم أنه كان يدعو إلى الله.
الجواب: قلنا أن سيدنا هارون لم يتدخل بالسياسة بل كان معروفاً بالصلاح والعبادة، لم يتدخل بشؤون الحكم، فلمْ يتعرضوا له بالمضايقات لأنه لم يتدخل في شؤونهم ولم يعارضهم ويواجههم لأن الله لم يكلفه بل كان ملتزماً بجماعته وتسليك المريدين وبنفسه ولا علاقة له بأمور الحكم والسياسة.
أما النقطة المهمة: فهي أن سيدنا هارون العظيم كان مستقيماً فمتى كان الإنسان مستقيماً فلا سلطان لمخلوق عليه وحاشا لله أن يسمح لأحد بالتسلط عليه وهذا قانون دائم السريان.

رابعاً: وتطلب بيان كيفية وفاة سيدنا هارون ومتى توفي.
يا أخي الكريم ألا يموت كل إنسان فالله قال لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ..} سورة الأنبياء: الآية (34). فتوفي سيدنا هارون حينما جاء أجله كوفاة باقي إخوانه الرسل والأنبياء وكل الناس.