كل شيء له صورة وحقيقة، والحقيقة بلا صورة لا تفيد، والصورة بلا حقيقة لا فائدة منها.
يا سيدي أنا أصلي باليوم خمس مرات ولا أعرف حتى الآن حقيقة تلك الحركات التي أقوم بها!
فأتمنى من حضرتكم تبيان حقيقة كل حركة يقوم بها المصلي في صلاته من رفع اليدين حتى التسليم إلى اليمين وإلى اليسار، بشيء من التفصيل.
وشكراً جزيلاً لكم.
المهم أولاً وأخيراً حضور القلب بالصلاة وفهم المعاني السامية للآيات التي تتلى في الصلاة.
وفي الحقيقة ما الحركات إلا تعبير عما يجول في النفس من أحوال ومشاعر وأذواق، فالأحوال السامية وحضور القلب في الصلاة في حضرة الله ورسوله ﷺ وتأثر النفس وصلاتها الصحيحة ينعكس هذا على الجسم فيؤدي المصلي الحركات التي نراها والتي هي صورة الصلاة.
1- تكبيرة الإحرام وهي رفع اليدين إلى شحمة الأذن وقول (الله أكبر)، وما هي إلا تعبير على إلقاء الدنيا ومشاغلها إلى الوراء ظهرياً، والامتثال في حضرة الله ورسوله ومن ثم:
2- ضم اليدين للتمسك بروحانية رسول الله ﷺ وهذه إشارة إلى الرابطة القلبية والعروة الوثقى برسول الله ﷺ لأنه باب الله، ومن يأته تعالى من غيره ﷺ لن يدخل على الله لقوله تعالى: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ..} سورة الإسراء: الآية (57) رسول الله هو الأقرب.
كما أن الذي يتلو الفاتحة ينقلها بنفسه عن صاحبها ﷺ لقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} سورة الحجر: الآية (87).
وإن رمت التوسّع والاستزادة في الشرح فهاك كتاب السبع المثاني فيه تفصيل لكل شيء وبيان المعاني السامية لسورة الفاتحة، وحقيقة الصلاة الصحيحة.
وبعد قراءة الفاتحة وبعضٍ من آيات الذكر الحكيم:
3- يركع المصلي وما الركوع في حقيقته إلا تعبير عن حال تعظيم النفس لما سمعته من أوامر ربها، أي خضوعها للأوامر الإلۤهية وتسبح النفس خلال ركوعها بعظمة ربها بكلمة (سبحان ربي العظيم) يكررها مع الإمام ثلاث مرات.
4- ثم يرفع المصلي رأسه من الركوع بعد أن يسمع كلمة (سمع الله لمن حمده) وما هذه الكلمة إلا بشارة من رسول الله ﷺ بالاستجابة، وهو في الحقيقة إنما يعبّر أيضاً عن حال نفسي، لقد حمد الله تعالى في الركوع على دلالته وهدايته، وكان يرى برؤية إمامه ﷺ وهو في ذلك الحال، أن الله تعالى معه محيط به، قريب، ولذلك قال مردداً: (سمع الله لمن حمده): أي: ربِّ قد سمعت ما جال في نفسي وما دار في خلدي من حمدي لك، ثم ينطق اللسان ويكرر ليقول: (ربنا لك الحمد).
5- ثم يسجد المصلي برفقة رسول الله ﷺ القلبية، وما السجود في حقيقته إلا طلب المعونة من الله بواسطة ومعيّة رسوله الكريم ﷺ، فالمصلي بركوعه أعلن وقدَّم الخضوع لأوامر الله، وحمد الله على دلالته، وفي السجود إنّما يتطلَّب من الله تعالى، أن يُمدّه بالتبعية لرسول الله بقوة وأن يعينه على تطبيق تلك الأوامر، فلا حول ولا قوة إلا لله وكلمة (سبحان ربي الأعلى) لتاليها ﷺ.
6- ويجلس بعد السجدة الأولى ثم يعود إلى السجود كما يعود الظامئ الهيمان إلى ارتشاف الماء العذب القراح، أو كالذي تمتع بشم زهرة فواحة زكية، إلى تكرار الاستنشاق، قال تعالى مشيراً إلى السجدتين، السجدة الأولى والسجدة الثانية: {..إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً ، وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً ، وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} سورة الإسراء: الآية (107-109).
ويكون بذلك أدى ركعة واحدة من صلاته، فإذا استقرت دلالة الله التي سمعها في الركعة الأولى بنفسه وصح منه العزم على تطبيقها، فهناك يقوم إلى الركعة الثانية ويكرِّر ما قام به في الركعة الأولى وبين الحركات يقول (الله أكبر) وهذه الكلمة كذلك لتاليها ففي كلِّ حركة ينقله الرسول الكريم ﷺ لدرجة أعلى ومرتبة أسمى في المعرفة الإلۤهية والقرب من الله، ويقول له: الله أكبر مما رأيت وأوسع مما شاهدت وأعظم وأجل وأسمى مما خطر في بالك، وهاك رؤية أخرى وحالاً أرقى من جناب ربك.
وبعد أن وقف هذا المصلي بين يدي ربِّه في الركعة الأولى والثانية يستمع إلى دلالة ربه، ويتعرف على الأوامر والنواهي وبعد أن ركع خاضعاً حامداً وخرَّ ساجداً مستعيناً:
يقعد القعود الأول وما القعود في حقيقته إلا قعود النفس، إنه قعودها وهي منغمسة بنور ربها مستغرقة في حضرة الله لتعبر وتسمع من الإمام ﷺ عما جرى لها في الصلاة من ذوق ومعرفة وعلم ولتعرف بأن كل ما حصلت عليه، إنما هو فضل من الله، فيتلو ﷺ على المصلي التحيات.
هذا موجز مختصر وللمزيد من الشروح والإيضاح وإن أحببت الاستزادة هناك كتاب السبع المثاني وحقائقها، يشرح لك التحيات والفاتحة والحكمة الإلۤهية من كل وقت من أوقات الصلاة وأحكام الصلوات والسنن إلى ما هنالك من درر إلۤهية.
والكتاب منشور في جميع مكتبات القطر السوري وعلى الموقع بشكل إلكتروني.