الصراط المستقيم هو في كلّ شؤون الحياة.

في كل ركعة من ركعات الصلاة يقرأ المصلي في بداية الركعة "فاتحة الكتاب"، وبعد أن يصبح هذا المصلي في حضرة الله تعالى أثناء قراءته سورة الفاتحة، يطلب منه سبحانه وتعالى أن يهديه الصراط المستقيم:

{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}:

والصراط هو طريق العمل الذي تسلكه النفس في سبيل بلوغ هدف وغاية معينة. وبما أن حقيقة العمل بحاجة لنور قلبي، يفرِّق به بين الحق والباطل، والصواب والخطأ، فالصراط المستقيم يتطلب طريق العمل المرفق بالنور الإلٓهي، كما تسري السيارة ليلاً على الطريق الصحيح بنور كهربائها.

وبما أن كل امرئ في هذه الحياة له هدف وغاية من الغايات، وحيث أن كلّاً له صراط يسلكه في سبيل تحقيق هدفه والوصول إلى غايته، لذلك تجد هذا المصلي الذي آمن بخالقه ومربيه حق الإيمان، والذي لم يبق له من هدف أو غاية سوى رضاء الله، تجده يتطلب من الله تعالى في سره متوافقاً في مطلبه هذا مع مطلب رسوله، يتطلب من الله تعالى أن يهديه بنوره، ليطيعه في كل عمل من أعماله، صراط الذين أنعم الله عليهم، أي أولئك الذين آمنوا بخالقهم ومربيهم، فهداهم الله بطاعتهم له وحده في أعمالهم إلى الطريق المستنير، الذي يعود عليهم بالسعادة والخير، ولذا تجد المصلي يعيد كلمة: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}: بقوله: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ}. كصراط سيد الخلق ﷺ النبي الأمي الذي تؤم له الأنبياء والمرسلون.

وبشيء من التفصيل نقول:

جمع المال والإنفاق، وكذا البيع والشراء، والزواج والطلاق، ومعاملة الزوج والأولاد، والأهل والجيران، ثم الحرب والسلم، والاسترقاق والعتق، حتى المسير في الطريق والتحدث إلى العدو والصديق، لا بل كل أمر من أمور، وكل عمل من الأعمال مهما جلَّ وعَظُم، أو دقَّ وصَغُر، كل ذلك له أصول وله طريق، وإن شئت فقل كل ذلك له صراط مستقيم، يعود على صاحبه بالسعادة والخير.

فإذا أنت طلبت من الله الهداية وهو العليم، هداك إلى ذلك الصراط المستقيم، الطريق القويم، وأنار قلبك. وجعل في ذلك العملِ الخيرَ على يديك، وبذلك تكتسب عمرك الثمين في الأعمال العالية، التي تجعلك يوم القيامة فخوراً بها، إذا أنت وقفت للحساب بين يدي رب العباد، وفي الحديث القدسي الشريف:

«يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم..» الجامع الصغير رقم /6020/.

ولذا كان رسول الله ﷺ أهدى الخلق إلى الحق، وأعرفهم بأصول الحياة، ذلك أنه لم ينقطع عن ربه طرفة عين، بل كان دوماً مقبلاً على الله مستنيراً بنوره، مستهدياً في كل أمر من الأمور، وكل عمل من الأعمال، لم يهمل تفكيره طرفة عين.

وكذلك أصحابه من بعده والمؤمنون عامة، كل بحسب درجته وبحسب حاله وصدقه.

قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} سورة محمد: الآية (11).
وقال جلّ شأنه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ..}: بلا إلٓه إلا الله وعرف ربّه، ورأى أن ربّه معه دوماً لا يفارقه. يمدُّه بالليل والنهار. {...وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ..} سورة يونس: الآية (9). إلى التقوى، إلى طريق الحق، إلى الجنان، بمعيَّة رسول الله ﷺ حيث يرى بنور الله الذي أوصله إليه نور رسوله ﷺ الحق من الباطل، وقد أصبح ذا تمييز يقيني بين الخير والشر، فينهض للخيرات ويجتنب المهلكات.

المؤمن الصحيح طلبه رضاء الله، متى آمن الإنسان حقاً، على نفس الطريق التي آمن بها أبونا إبراهيم عليه السلام، من الآيات الكونية صنْع الإلٓه العظيم، وصل للتقوى، وعلى هذا عاهد الإنسان ربَّه يوم أخرجه وأظهره إلى هذا الوجود، وكان إذ ذاك نفساً مجردة، عاهد ربَّه إذا هو جاء إلى هذه الدنيا، أن يظل دوماً مستهدياً بالله، مستنيراً بنوره، متمسكاً بأهل الحق.

قال تعالى: {..إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ، الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ} سورة الرعد: الآية (19-20). في الأزل، كافة الخلق عاهدوا الله قبل مجيئهم للدنيا بأنهم إن جاؤوا للدنيا، فإنهم يظلُّون مقبلين عليه تعالى، متمسكين بنوره: {..وَلاَ يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ}: ما جاء به الرسل، جاء للدنيا وثبت على الحق، عاهد وصدق عهده. قال تعالى: {..وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} سورة الفتح: الآية (10).

ذلك ما يتطلبه المصلي في صلاته، يتطلب من الله تعالى أن يهديه الصراط المستقيم، فيقول في الصلوات الخمس: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}: وهم السادة الرسل والأنبياء العظام، من طهرت نفوسهم وتشرفت بالإقبال على الله.

وهكذا ففي سورة الفاتحة تعريف بكمال الله، وتذكير بحنانه ورحمته، وإيقاظ وتحذير، ثم طلب هداية إلى الصراط المستقيم.