{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ}

بسم الله الرحمن الرحيم.

يريد الله سبحانه وتعالى في مطلع "سورة الطارق" الكريمة أن يلفت نظرنا إلى السماء وما ينبعث عنها من الخيرات، ولذلك قال تعالى:

{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ}:

والسماء: هي كل ما نشاهده فوقنا كقبَّة زرقاء محيطة بالأرض من جميع الجهات.

والواو المذكورة في كلمة (وَالسَّمَاءِ): إنما تلفت نظرنا وتطلب منا التفكير في السماء لنتعرَّف إلى شأنها من حيث سِعتها التي لا تتناهى، ومن حيث كونها سبباً في نظام وانتظام سير الشمس والقمر فيها، وانتظام الكواكب وارتباطها ببعضها، ومن حيث سير الغيوم وتكاثفها، ونزول الأمطار منها.

وهكذا فالسماء أشبه بقشرة البيضة تحفظ ما فيها وتكون سبباً في قيامها، فلولا السماء لتناثرت النجوم هنا وهناك، ولما ترابطت ببعضها بعضاً، ولولا السماء لما حافظت الشمس على موضعها في الفضاء، ولما تمتَّعت الأرض بنورها وحرارتها، ولولا السماء لما دار القمر دورته، ولاضطربت الأرض في جريها فما تشكَّل ليل ولا نهار، ولما حدثت الفصول الأربعة، فلا ربيع ولا صيف ولا خريف ولا شتاء، ولولا السماء لما تشكَّلت أو هطلت الثلوج والأمطار.

وهكذا فبالسماء قيام هذه المخلوقات على هذا الوجه الكامل وانتظام الحياة، وبها تأمَّن لك ما تحتاجه وأمكن وجودك على هذه الأرض وأمكنت الحياة.
وهذا بعض ما نستطيع أن نفهمه من كلمة: (السَّمَاءِ)..

وإن القلم ليعجز عن كتابة ما في السماء من آيات، ففكِّر أيها الإنسان فيها، وراجع التفكير مرة بعد مرة، فلعلك تُقدِّر خالقها وتستعظم مُمدَّها ومُربِّيها.

أما كلمة (وَالطَّارِقِ)... فإنما تلفت نظرنا إلى الخيرات المنبعثة عن هذه السماء المتواردة على الإنسان، فكلمة (والطَّارِقِ).. مأخوذة من طرقَ، بمعنى: أصاب وأتى. ونقول: فلان طرق الباب، وطرق الحداد الحديد، أي: هوى عليه بالمطرقة، وطرقت السيارة فلاناً، أي: صدمته وأصابته، ومنه الطارق: أي الآتي ليلاً. ونفهم من كلمة (الطَّارِقِ): هنا أي الخير الآتي المتوارد الذي يصيب الناس.

ويكون مجمل ما نفهمه من آية: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} أي:

انظروا عبادي في السماء وما يأتيكم عنها وبسبب وجودها من الخير المتواصل.

ثم إن الله تعالى أراد أن يلفت نظرنا إلى سعة ذلك الخير المتوارد فقال تعالى:

{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ}:

وتفيد كلمة (وَمَا أَدْرَاكَ) تعظيم الشيء وبيان شأنه العالي. ويكون ما نفهمه منها أي:

إنك أيها الإنسان لا تدري نهاية لهذا الخير المنبعث عن السماء ولا تستطيع أن تحصي أو تجد حدّاً لهذا الفضل الإلهي المتوارد عليك بواسطتها.

ولكن ما هو هذا الخير، لقد عرَّفنا تعالى به بقوله:

{النَّجْمُ الثَّاقِبُ}:

والنجم: مأخوذة من نَجَمَ بمعنى: ظهر وخرج. يُقال: نَجَمَ النبات، ونَجَمَ عن هذه الحادثة كذا وكذا، أي: ظهر ونتج، ويكون ما نفهمه من كلمة (النَّجْمُ) هنا ما يظهر ويخرج، وبناءً على هذا: الهواء في خروجه نجم، والبرد نجم، والحرُّ نجم. والغيوم الناشئة نجم، والأمطار نجم، وهكذا فكلمة (النَّجْمُ) تشمل كل شيء يخرج ويظهر. وأما (الثَّاقِبُ): فهو النافذ المؤثِّر ومنه المثقب، أي: آلة الثقب. تقول: سهمٌ ثاقب، ورأي ثاقب. وعقل ثاقب.

ويكون ما نفهمه من كلمة (النَّجْمُ الثَّاقِبُ): أي: الخير النافذ المتوارد بصورة لا خلل فيها ولا نقصان، فالهواء ثاقب فإذا جاء، جاء بنظام وعلى حسب قوانين ثابتة فأهاج السحب وجمعها، ومطر ثاقب، أي: جامع للخير بحيث إذا نزل على الأرض أثَّر فيها وأخرج الخير منها، وبرد ثاقب أي: مؤثر بحيث إذا أصاب النباتات هيَّج ما فيها من الخصائص والقُوى وجعلها تؤتي أُكُلها وتجود بخيراتها.

وهكذا كل ما يُظهره الله تعالى لهذا الوجود إن هو إلاَّ نجم في ظهوره وبروزه، ثاقب في كماله وتمام فائدته.