هل كلَّم الله موسى عليه السلام تكليم مادي أم معنوي؟ وهل شاهد الأنبياء الذات العليّة؟

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا وحبيبنا وقدوتنا وقائدنا محمد حبيب رب العالمين، جزاكم الله كل خير عن كل من وصل إليه حرف من حروف علم العلّامة الإنساني الكبير "قدّس الله سرّه" وجعل الله كل ذلك في ميزان حسنات المربي الفاضل محقق علوم العلّامة "الأستاذ الإنساني عبد القادر الديراني" وفي ميزان حسنات من أشرف وساهم وساعد في إخراج هذا الموقع بهذه الصورة الرائعة.
عذراً على إطالة المقدمة ولكنه اعتراف بالفضل لم أستطع أن أخفيه، أما بعد: فلديّ أكثر من سؤال وأرجو أن يتّسع صدركم الكريم للإجابة عنها.
الأول: يقول الحق تبارك وتعالى: {..وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} هل حقيقة تكليم الله سبحانه لسيّدنا موسى عليه السلام تكليم ماديّ حسيّ أم تكليم معنويّ نفسي؟ وهل كان تكليم الله سبحانه لسيدنا موسى عليه السلام وحده فقط أم لكل الأنبياء والرسل أم لبعضهم؟ مع الإشارة إلى أنّه ورد في سورة البقرة الآية (253) قوله تعالى: {..مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ..}.
الثاني: هل الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام شاهدوا الذات الإلٓهية العليّة؟ أم أنهم شاهدوا الأنوار والتجليات الإلٓهية العظيمة فقط؟
وما هي حقيقة طلب سيدنا موسى عليه السلام الذي ورد في سورة الأعراف الآية (143): {..قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي..}.
وإذا كانت رؤية الأنبياء والرسل تقتصر فقط على الأنوار والتجلّيات الإلٓهية، فما الفرق في المقام بينهم وبين من وصل للإيمان والتقوى وحصل له الشهود؟
ختاماً لكم جزيل الشكر وأدامكم الله وحفظكم وجزاكم كل خير. 

أولاً: تفضّلت بالقول: [هل التكليم مادي حسّي أم معنوي نفسي؟] وهل يختلفان؟! هل يختلف السماع إن كان عن طريق الهواء والسمع بالأذنين اللتين تسمعه النفس بهما، عن السماع الذي تسمعه بدون هذه الوسائل؟!
وبعد الموت تزول هذه الوسائل، وبالآخرة يتم نفس الكلام بين أهل الجنة وأهل النار. الكلام نفسه لا يتغيّر ولكنه تكليم معنوي نفسي وهو نفس الكلام لو كان مادي حسّي.
وكان الحواريين رضي الله عنهم يأكلون ويشربون ويسمرون ويضحكون وهم في محادثة قلبية مع الله.
وقول عمر: (يا سارية الجبلَ الجبلَ) هل كان عن طريق الهواء، حيثما كان سارية في بلاد فارس وهو رضي الله عنه بالمدينة وتمّ الكلام بنفس الألفاظ.
فالتكليم إذاً معنوي نفسي كالكلام العادي المادي، ولكن درجات الجمال تختلف وتتباين فجمال كلام رسول الله ﷺ لا يماثله صوت بالعالمين، وإذا كان الكلام من حضرة الله فلا يماثل جماله شيء ولا كلام.
وتقول: [هل كان تكليم الله لسيدنا موسى فقط أم لكل الأنبياء؟].
نقول لك: لسيدنا موسى ولوالدته أيضاً، قال تعالى: {إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى} سورة طه: الآية (38).
والصلاة مكالمة قلبية في حقيقتها وتتثبّت النفس بها لفظاً، أما المعاني فتشهدها بنور رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالأنبياء كلّهم تكلَّم الله معهم وهم تكلَّموا مع الله.
وآية: {..مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ..} سورة البقرة: الآية (253) {..مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ..}: الذين كلّمهم الله إنما كلّمهم: (منهم) أي: من الرسل، أي من خلال رسله.
الجواب الثاني: لا شك ولا ريب أنهم كانوا دائماً يشاهدون الذات الإلۤهية بأسمائها الحسنى التسع والتسعين ويسمعون، جمال، جلال، فتنة، روعة وبهاء كلامه تعالى.
وآية: {..رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي..} سورة الأعراف: الآية (143). تلك الرؤية الجمالية كان طلباً عظيماً حبيّاً عليّاً، ورؤية هذا الجمال العظيم سيوقف النفس عن وظيفتها ويصعقها ألوف السنين، وسيدنا موسى ينتظره قومه ومن بعدهم العالم أجمع، لذلك لن يراه بهذا الحجم الهائل.
ولكن هذا الطلب محفوظ له لبعد يوم القيامة، إذ لو تجلّى الله عليه فلن يتحمّل جسده الشريف هذا الجمال الإلۤهي الصاعق، لأن الصخور والجبل تخلّت عن وظيفتها حينما وُجِّه هذا التجلّي الجمالي عليها فتخلّت عن وظيفتها وذهبت هياماً وحباً إلى الله، فاندّك الجبل، فهذا طلب نوالٍ جمالي عظيم، لا يحتملها الآن. ولكن النفس حينما تكون مجرّدة عن الجسد وذلك بعد يوم القيامة، تنال هذا المقدار من التجلّي الجمالي الإلۤهي وتستطيع استيعابه والسمو والعلو به.
وتقول: [إذا كانت رؤية الأنبياء والرسل تقتصر فقط على الأنوار والتجلّيات الإلۤهية].
نقول: من قال هذا القول ومن أين جئت به؟! وقد تمّ الجواب عليه، إذ أنّ الأنبياء دائماً يشاهدون الذات الإلۤهية وأسماءه العليَّة.
وتقول: [فما الفرق في المقام بينهم وبين من وصل للإيمان والتقوى وحصل له الشهود؟].
نقول لك: يا أخي جنات الأنبياء دوماً في سمو وصعود منذ الأزل، فأنَّى للأتقياء الذين يشاهدون بنور الله أن ينالوا مثل جناتهم وهم قد بدؤوا الآن، والأنبياء سبقوهم علواً بعشرات الألوف من السنين، فلا مقارنة بين سماء الأتقياء وسماء الأنبياء، فسماء الأنبياء أسمى وأرقى وأعلى.