السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سيدي الفاضل أريد رأيك ببيع الأعضاء بعد الموت هل محرم شرعاً؟ ولكم جزيل الشكر.
1- من ناحية إنسانية لا يجوز أبداً حرمة للميت المس بأعضائه، وبالدين الإسلامي الجسم الإنسي مقدس.
فبيع الأعضاء لا يجوز، فالإنسان فوق المادة وهو ليس سلعة والله تعالى يقول: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ..} سورة الإسراء: الآية (70).
حتى الحديث عنه بعد موته يؤذيه إلا بذكر محاسنه والتجاوز عن أخطائه (اذكروا محاسن موتاكم). لأن النفس بذاك الوقت تتأثر بأكثر بكثير من حياتها الدنيا (الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا)، والنفس وقتئذٍ في صحوة كبرى، فهي لا تغفو ولا تنام بعد الموت لقوله تعالى: {فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ} سورة النازعات: الآية (14). فهي تتأثر بذكر محاسنها والعكس صحيح أيضاً، وحادثة والدة العلامة الكبير محمد أمين شيخو: رآها بعد وفاتها في الرؤية (المنام) تقول له: لماذا الشاهدة عندي أقصر من الشواهد التي بقربي أريدها شاهدة مرتفعة، فقام علامتنا في صباح اليوم التالي من فوره وأوعز بنزع الشاهدة القديمة ووضع شاهدة جديدة أعلى.
والشيخ عيسى الكردي، والذي ضريحه في تربة مولانا الشيخ خالد، وعلى بعد حوالي /20 متر/ من الضريح دفن ابن الشيخ عيسى الكردي، ولم يكن لله طائعاً فشاهده مريدوه وهو ينهض من القبر ويقول:
لماذا يؤذوننا؟ من الذي أوقد هذه النار بالقرب منا والتي عكرت صفونا بدخانها المؤذي؟ من أزعجنا وأشعل هذه النار بدخانها؟
وترى أن الناس حفاظاً على كرامة الإنسان لا يرغبون أن يجلس أحد أو يدوس على قبور المنتقلين كرامة لهم، بل ولا يجوز الكشف عليه بعد دفنه لئلا يراه الناس بصورة متضررة فينفروا منه ويتأثروا، وهذا عندما غضب الله على قوم ثمود وأهلكهم {..فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} سورة هود: الآية (67): أي على ركبهم. لم يجدوا من يدفنهم، وهذا ذم لأنهم لم يدعوا مجالاً لأن يستحقوا أي إكرام. وعندما قتل قابيل هابيل وجاء الغراب يعلّمه كيف يواري سوءة أخيه: {..قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي..} سورة المائدة: الآية (31). لأن هذا يؤثر على نفس المنتقل.
والنفس بعد الموت لا تموت، بل تذوقه ذوقاً إنما الجسد هو الذي يفقد الحياة ويفنى، والروح يأخذها المَلَكُ إلى بارئها، والنفس هي الذات النفيسة عند الله وهي أعلى المخلوقات لحملها التكليف والأمانة.
وكما لا يجوز دفن أي ميت فوق الميت الذي لم يفنَ جسده، لئلا تتضايق النفسان معاً فنحن قد غلبت علينا عوالم الصور على عوالم الحقائق.
فإن باع أي إنسان أعضاء الميت، فيحاسبه يوم القيامة هذا المنتقل بجرم السرقة وما سببه له من آلام لأن هذا الجسد بالنسبة للإنسان هو جلاء أعماله، فلا ينبغي التلاعب به وأن الجسم مقدس فما أنزل الله من داء إلا وأنزل معه دواء، فلماذا نسرق أعضاء بعضنا.
2- علماً أن سؤالك: (أريد رأيك ببيع الأعضاء بعد الموت هل محرم شرعاً؟). الرأي الطبي:
فهذا لا يكون لأنه بعد الموت تزول الحياة من كافة الخلايا بخروج الروح، ولا تنفع هذه الأعضاء مخلوقاً آخر، لأنها فقدت الحياة وحلَّت بها المكروبات والآفات، فهذا الأمر لا يقع لأن العضو غير الحي لا ينفع لإحياء غيره، وهذا معلوم طبياً بعد الموت وفقدان الحياة نهائياً لا يباع ولا يشترى.
3- والتمثيل لا يجوز، وقد نهى الله عنه في القرآن، قال تعالى: {..فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ..} سورة الإسراء: الآية (33). وكذلك أمر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا أبو بكر الجيوش المسلمين عدم التمثيل بأجسام القتلى بعد الموت، وهذا عندما أرسل جيشه لحرب الروم فقال: (أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني: ألَّا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ...).
فتقطيع الأعضاء بعد الموت جرم كبير لا يرضى به الله.
والإنسان كرّمه الله وأوجد له أدوية غير التقطيع والتوصيل والتمثيل لأي هدف كان، وخير ما تداويتم به الحجامة، فالحجامة خير مثال وهي التي أغنت عن كافة هذه الطرق الملتوية، لأنه عدم لا يكون، فالنفس باقية ستشكو إلى الله من اعتدى على جسدها يوم القيامة أمام العوالم يوم الحسرة والندامة، على ما فعل في حقها بعد مغادرة جسدها.
وهذا العمل خَفْضٌ من قيمة الإنسانية، فالإنسان ليس خروفاً لتقطّع أعضاءه، بل المخلوقات كلها مسخرة له (وتعس عبد الدرهم وتعس عبد الدينار). أما الذي لا يؤمن بالله واليوم الآخر ممن كفر بالآخرة من جهله، فأمثال هذا يقومون من عدم إيمانهم، يظنّون أنه لن يحاسبوا فيفعلون ما يفعلون، فهم يتبرعون بأعضائهم لغيرهم جهلاً وبغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، فهل هم الذين خلقوا أعضائهم حتى يتصرفوا بها؟! يحق لهم أن يتصرفوا بها ضمن أوامر الله وإرشاداته في كتبه المقدسة.
فيا أخي: الإنسانَ سخَّرَ اللهُ له كل شيء وكرَّمه، وهو الذي خلقه وصوَّره وأبدعه، وخلق أيضاً النفس وأمدَّهما بالروح فهي مُلكٌ لله فلا ينبغي أن يتعدى على حرمات الله وإلا فسيحاسبه.
فيا أخي الكريم: اربأ بنفسك أن تكون من الجاهلين من أجل دنيا منقضية يعقبها الحسرات والحريق أو الجنات والإكرامات. وكذلك فإن التغسيل والدفن وقراءة القرآن (بالتعزية في الثلاثة أيام)، كلها تفيد الميت المنتقل وتزيل عنه من الهموم والغموم مالا يعلمه إلا الله، والله يحب لنا أن نُكرم بعضنا بعضاً، لا أن نقطع بعضنا من أجل دنيا فانية، والحجامة أغنت عن الطب الجراحي والكيميائي الغربي بالكليّة، وأثبتت أنه كله ضرر بضرر، وليس بالحجامة تقطيع ولا توصيل، بل شفاءات من كافة الأمراض إلا الموت وهذا حق وهذا طب إلۤهي أغنى عن الطب البشري والتقطيع والتوصيل والعمليات الجراحية.