ما هي طرق الابتعاد عن الشهوات؟
لو فكر الإنسان بطرق الشهوات ومآلها ونتائجها، وبما يراها على الغاوين الضالين وينظر إلى خواتيمها وأنَّ كلها هلاك فيمجّها ويكرهها ويتطلب طريق الحق والحقيقة والدين.
فلو نظر لسلوك وأفعال المجتمع يجدها كلها طرق وأساليب "ميكافيلي": أي طرق وحشية وكذب وخداع يُلبسونها أثواباً يزعمون أنها إنسانية وهي العكس، لأنهم يظنون أن الدنيا لا تؤخذ إلا غلاباً، بالخيانة والمكر والكذب والدجل، أساليب ميكافيلي وأساليب شيطانية ولكنها كلها تعود على نفوس السالكين بها بفقدان عفة النفس والكرامة والرحمة ونتائجها الذل والهوان، لذائذ مهلكة للنفس البشرية وهو لا يرضاها لنفسه فكيف يرضاها على غيره! وكلها قائمة بأساسها على الكذب والنفاق لا على الحقيقة أبداً.
والحقيقة: أنها لا تعود على النفس بالسعادة بل بالشقاء والضيق والضنك والكرب مهما كسب من هذه الدنيا بهذه الطرق المنحرفة، فإذا أبقت النفس وأبت البقاء في مواطن هذه الأمور السيئة مهما كان كسبها المادي وقيمتها عند الناس، فإذا فكر هذا التفكير فهو يرفضها ويطلب الحقيقة العلمية المجردة، أي يرفض اللذة بهذه الطرق ويتطلب الحق والحقيقة بصدق. فينتبه ويجعل حياته كلها بمسرى الحق والحقيقة، إذا نظر وفكر هذا التفكير وتطلَّب السير بالحق، عندها يجمعه الله تعالى مع أهل الحق، وقد يكون من يجتمع بهم بدرجات عالية "نبيون أو مرسلون". فبمجرد ما يسمع كلامهم العالي الذي لم تألفه البشرية ذوي القلوب العمياء أما هو فيقدره تقديراً عظيماً عندها يلتفت إلى أصحاب الحق أهل الله، فينغمر بسعادة قلبية، بل ويشاهد مشاهدات نفسية نورانية ما كان أبداً يعرفها ولا يحلم بها، تجعله يندم على حياته الماضية التي قضاها دونهم ويتحسر كيف أضاع قسطاً من حياته دونهم، لأنه بسلوكه معهم ينال الجنات الحقيقة، وأين سعادة الجنان بل أين الجنات من هذه الدنيا المادية ولذائذها التي لا تكاد تذكر تجاه ما يناله أبداً وبذا تكون نفسه قد ابتعدت عن طرق الشهوات الدنيوية الدنية مهما كان كسبها الدنيوي جسيماً ويغدو بحالٍ يشابه حال أبي يزيد البسطامي حين قال معبراً عن حاله: (إن في قلبي نعيماً لو اطلعت عليه الملوك لقاتلوني عليه بالسيوف).
عندها نفسه لا تهوى إلا سلوك المسالك والمناسك التي تثبته في طريق السمو وتزيده علواً.
وختاماً: فإن طبق طريق الإيمان المخطوط في دلالة العلّامة ويقّن بالموت وحتماً شاهد بدايته الجسمية وقبلها النفسية، لا يمكن بعدها أن يقع في معصية أبداً، إذ نال الإيمان الذي لا كفر بعده {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ..} من الدنيا {..لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ، خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} فلا حاجة لهم بما في الدنيا من شهوات لأنهم ينالون نوالاً سامياً من طريق عالٍ سلَّكهم فيها رب الشهوات العلى، هنا يأتي بحث الصلاة، ففي الصلاة تعرج النفس من حالٍ إلى حالٍ أعلى وأرقى. وهذا الإيمان يسري في النفس كما تسري المياه بالأغصان والكهرباء بالأسلاك، فيشع النور والحياة والبهجة والسرور والمسرات ينالها من الله مباشرة فهو غني عن الدنيا وأهلها، لكنه وقد اكتسب الرحمة والحنان والعطف من الله يسعى لينيلهم مثل ما نال من الغبطة الأبدية والرقي المتسامي، وهذه طرق الابتعاد عن الشهوات، ولكن فيها نوال كل المكرمات والجنات.