بسم الله الرحمن الرحيم
{فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 37]
ما هي الكلمات التي تلقاها سيدنا آدم عليه السلام؟ وشكراً.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَبهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ..}: لقد ظنّ سيدنا آدم أنّه عصى ربّه عندما ذكّره تعالى بنهيه عن الشجرة، لأنّه كان يجهل المراد والحكمة التي أُخرج من أجلها إلى الدنيا، ولكنّه تلقى منه تعالى كلمات، وبهذه الكلمات عاد لإقباله العالي على ربّه. وهذه الكلمات هي:
1- إنّ خروجه من الجنّة ما تمّ لولا إرادة الله السابقة {..إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً..} سورة البقرة: (30).
2- إنّ خروجه عن طريق إبليس لم يكن بملكه، لكنّه كان في حالة لا تسمح له بالتذكر {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} سورة طه: (115): أي عزماً على المخالفة والمعصية.
3- لقد كانت استجابة آدم عليه السلام لإبليس ناجمة عن حبّه الشديد لربّه ونيّته العالية لأنّه ظنّ بأنّ أكله من الشجرة سيمكّنه من الخلود الأبدي بالنظر لوجه الله الكريم والطمأنينة به تعالى والأمن والأمان (وإنما الأعمال بالنيات)، وكانت نيّة سيدنا آدم بأكله من الشجرة الخلود إلى حضرة الله، كما يخلد الطفل إلى حضن أمّه الرحيمة الحنونة، {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} سورة طه: (120). فالله تعالى بعلمه بما في نفس آدم عليه السلام من النيّة العالية من الأكل منَ الشجرة ناداه أن:
يا آدم قد علمنا نيَّتك من عملك، فما كان أكلك من الشجرة إلاَّ حبّاً بي، لقد أنساك حبُّك العظيم لي وصيتي فلا تخجل ولا تغض حياءً مني، فلك من نيَّتك العالية ما يجعلك تعود إلي في الحال.
وما أن سمع آدم عليه السلام ذلك من ربِّه، وما أن نظر إلى نيَّته العالية حتى عاد متسارعاً إلى ربِّه مقبلاً عليه.
فتاب عليه ربه، أي: فعاد عليه في الحال بتجلِّيه {..إِنَّهُ هُوَ التَّوابُ الرَّحِيمُ} سورة البقرة: الآية 37.
4- قد بين له تعالى عدوّه الحقيقي ليحذره هو وذريّته من بعده من هذا المخلوق، الذي أكل الحسد قلبه وملأ الغيظ نفسه. فلما عرف غاية ربّ العالمين، اطمأنّ لذلك، وأقبل ثانية.
{..فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}: فهو تعالى التواب إذ يسوق للإنسان دوماً ما يجعله يؤوب ويعود لخالقه ليتفضّل عليه بنعمته ويغمره ببرّه ورحمته.
وللتفصيل في البحث نرجو الرجوع إلى كتاب تأويل الأمين للعلامة محمد أمين شيخو قدس سره/ص219 حتى ص297 تجد قصة سيدنا آدم كاملة.