السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية خاصة ملؤها الحب والاحترام إلى الأستاذ عبد القادر يحيى وبعد:
ما هو حكم الاحتفال بعيد المولد النبوي؟ بمعنى آخر هل هو بدعة أو غير بدعة مع أن الصحابة الكرام لم يقوموا بهذا الأمر وهم أحق منا بذلك وهم أشد حباً للرسول منا. وشكراً.
منقذ العالمين والرحمة الكبرى للبشر فكيف لا نمدحه بمولده! أي: ظهوره لهذا العالم.
نبدأ بفضله علينا:
- كنا أذلاء مستعمرين للفرس والروم فأنقذنا.
- كنا جهلة في سفاح الجاهلية كالبهائم الرتَّع فدلّنا على الله وغدونا خير أمة أخرجت للناس نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونؤمن بالله. نقلنا من صنف الحيوان إلى مراتب الإنسان.
- كنا بأعمالنا إلى النيران سائرين فنقلنا إلى جنان الخلد آمنين.
- جاءنا بكلام الله العظيم الذي تعجز الخلائق عن مثله، وفهّمنا إياه فغدونا به حكماء علماء نشبه الأنبياء، كل هذه الفضائل والأعمال التي قدمها لنا، ألا يجدر بنا أن نمدحه بمولده ونُجلّه، ونؤمن بالله حقاً حتى نعرفه ونقدره بمولده ونسمع مديحه فنهيم هياماً ضمن هذا الاحتفال، إذ جعل حضارتنا الإسلامية هي الحضارة العالمية الوحيدة فانهارت حضارات الظلم والتعدي والاستعمار وهجرها الناس.
- أخرجنا من الظلمات إلى النور وأنار قلوبنا بنور الله العظيم، فشاهدنا ما أعدّ الله لنا بعد الموت فغدا الموت شهوتنا.
- هو حبيب الله ففي ذكرى مولده "والمعنى بمولده أي: بيان ظهوره لهذا العالم الذي دسر الظلم والبغي والجور والآلام ودلَّ الأفكار والقلوب على خالقهم وخالق الجمال والكمال والفضيلة والمحبة السامية والهناء ولا يحب الكاملين إلا طالبو الكمال والخير ومن أحبهم ذكرهم وأجلّهم ومدحهم مديح الهيام".
فهو صلى الله عليه وسلم إنسانٌ إنساني، يبغي لنفسه ولغيره ذروة الخير والكمال، ومن جادل في مولد الحبيب فهو للشيطان خليلاً، بل هو شيطان من الناس ولأهل الشر والبغي والفسق ولياً.
- وأنّى للمجادلين ضد مديح الحبيب أن يعلموا حبَّ الصحابة لرسول الله العظيم الذي كان أحبَّ إليهم من الأهل والمال والولد، فدوه بأموالهم وأرواحهم وذكره ملأ قلوبهم قبل أفواههم.
ومن يجادل في ذكرى الحبيب المصطفى والذي هو مضمون مولده فقد هوى، فالمرء يفيض بذكر من يحبّ، ولو كان لدى الصحابة الكرام أي وقت غير الجهاد لإعلاء اسم القدوة المصطفى صلى الله عليه وسلم ودينه القويم لما تحولوا عن ذكره مع أنه بقلوبهم.
مولده الشريف: أي ظهوره صلى الله عليه وسلم لإنقاذ بني البشر.
فمولده صلى الله عليه وسلم في قلوبهم لا يزول وفي أفواههم هو حديثهم المحبوب:
احفظ لسانك إن ذكرت محمداً فبنوره بعد الممات تعيـش
فكل نبي ورسول -لا الصحابة الكرام رضوان الله عليهم فقط- يدعم ويؤازر ويعاضد ويحب ويهوى سماع مولد نور العالم صلى الله عليه وسلم ليزداد بذكره حباً بالله وشوقاً للحبيب وحبّه تعالى وهذا يولّد في النفوس حب الفضيلة والشهامة والسمو والطهارة القلبية، وينأى عن سماع المهلكات، فمن يجادل في ذكره صلى الله عليه وسلم بمولده سينصرف إلى الخلاعة والسفالة والمجون بل هو عدو للإنسانية من الضالين المضلين.
بذكر محمد "بالمولد" تشفى القلوب وتغتفر الخطايـا والذنوب
فأكبر وأعظم بمولد نبي الهدى صلى الله عليه وسلم.
أما عن أن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم لم يقوموا باحتفالات بالمولد النبوي.
نقول: كان حبّ المصطفى قد تغلغل إلى ثنايا عظامهم وملأ قلوبهم ودماءهم، وفاضت به جوانحهم حتى كان كلٌّ منهم في مولد حقيقي دائمي منذ أن تعلّق بالحبيب وكانت حقيقة رسول الله العظمى لا تغادر قلوبهم، لأن "المولد" لا يعني لحظة الولادة إنما يعني الظهور مدى الحياة.
أما نحن فنستفيد من ذكراه وما أجمله وأبهاه، حينما نجلس في ذكرى مولده الشريف. فعطاؤنا بالنسبة للصحب الكرام رضوان الله عليهم قليل، ونحن بحاجة لتذكير وإلى أناشيد المولد، وبذلك ننعم بالفضيلة بدل أن ننعم بالأغاني الشيطانية المهلكة المدمرة لقلوبنا دنيا وآخرة.
بمولد الهادي قد ضاءت الأكوان وماذا دون الضياء إلا الظلام؟ فإذا رفض الناس المولد الذي به الضياء فما بقي أمامهم إلا الظلام وما فيه من سفالة ورذيلة وانحطاط وقانا الله وإياكم منها.
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من سنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة).
وهل هناك أجمل وأبدع وأحسن من أن تتوجه النفوس والقلوب نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن توجهت له توجهت لربه، لأنه رسولُ الله ولأنه دائماً مع الله، وإن تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأين تتولى؟
وإذا كان النصارى يحتفلون بعيد ميلاد سيدنا المسيح عليه السلام، فلِمَ لا نحتفل نحن بعيد مولد نبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم ونمتدحه بقصائد وأناشيد تهز القلوب حنيناً وشوقاً وحباً للرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا كان الله تعالى يمدحه بالقرآن العظيم مدحاً كبيراً، ولم يرد بالقرآن قسمٌ إلا بعمره صلى الله عليه وسلم بكلمة (لعمرك) أفلا يجدر بنا نحن أن نمدحه ونجلّه ونعظمه بل وهذا أمر الله لنا بقوله تعالى: {..فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} سورة الأعراف: الآية (157).
إذن: إذا لم نعزّره ونتّبعه ونعظمه فنحن من الخاسرين وفي الظلام سادرون.
فأين الخطل والخطأ إن مدحنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في احتفالنا له بقصائد تعبر عن حبنا له وتعظيمنا وتقديرنا السامي أخلاقه وعالي شمائله؟!
وليس هناك بالاحتفال أي مظهر من مظاهر الفساد والمحرمات والخلاعة والمجون كما يقوم الناس البعيدون عن حبّ الله وحبّ رسوله بإحتفالاتهم بأعيادهم من غناء ماجن ورقص وخلاعة، بل على العكس مدح النبي والترنم بقصائده يوجه النفوس ويحببها بالرسول ومن أحبّ الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أحب الله، والله تعالى يقول: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ..} سورة التوبة: الآية (24).
لماذا نحبه صلى الله عليه وسلم؟
لأنه رسول الله والله يحبه، وحبّه يوصلنا لحبّ الله فإذا كان الله يحبه فلِمَ لا نحبّه نحن، ودليل حبّنا له ثناؤنا ومدحنا له.
وفي الحديث الشريف: (أحبوا الله لما يغزوكم به من نعمة وأحبوني لحبّ الله إياي) و (من لم يشكر الناس لم يشكر الله).
ومن أحق بالشكر بين الناس كلهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم!.
وهو الذي حرّرنا أولاً من عبودية أنفسنا وشهواتنا بأنّ عرّفنا على خالقنا عرفنا بجناته وحرّرنا ثانيةً من الفرس والروم، إذ كنا عبيداً مستعمرين تحت نير الفرس وحكم الروم وظلمهم، فجاء رسول الله وجعل منا السادة والساسة المفكرين العظماء كما قدمنا.
فإن فضل رسول الله ليس له حدٌ فيعرب عنـه ناطـق بفـم
قال تعالى:
{قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ..} سورة يونس: الآية (58): وأعظم فضلٍ ومنّة من الله لعباده هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو إمامنا وحبيبنا وبابنا إلى الله. ولذلك أمرنا الله بالصلاة عليه قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} سورة الأحزاب: الآية (56):
والصلاة على النبي هي صلة نفوسنا بتلك النفس الزكية الظاهرة، عندما نمدحه ونذكره صلى الله عليه وسلم بصفاته العليّة، تتجه النفوس نحوه بالتعظيم والتقدير والإجلال، وبهذا التقدير لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحبّه وتعظيمه ورسول الله صلى الله عليه وسلم دوماً في حضرة الله مستغرق في شهود فضل الله وسابح في بحور أسمائه الحسنى وراسخ في محبة الله، لذا نكون نحن بالتبعية مع الله ،كلٌ على مقدار حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلما كان الحب أقوى كان الإيمان بالله أرسخ وأثبت، ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين).
إذن: حبّ رسول الله يجرّنا إلى حبّ الله ويقربنا إلى الله زلفى، قال تعالى: {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} سورة التوبة: الآية (99).
فما صلة نفوسنا بنفسه صلى الله عليه وسلم الطاهرة الشريفة إلا قربة عند الله وهذا هو مراد الله من خلقه.
خلقنا لنتقرب إليه ونقبل عليه وذلك بمعية السابق الأسبق صلى الله عليه وسلم. كن مع القريب من الله تكن قريباً منه تعالى.
والله دائماً في الآيات يقرن حبّ الله بحب رسوله وطاعة الله بطاعة رسوله. جاء في الآية الكريمة: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ..} سورة آل عمران: الآية (31).
{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ..} سورة النساء: الآية (80).
ومعنى هذا أننا بحبنا لرسول الله نحب الله ونطيعه ونمشي على هديه وبكلامه فأين الخطأ إذا مدحنا رسول الله بمولده الذي مضمونه وخلاصته حبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالاحتفال بالمولد النبوي الشريف والذي هو تعبير عن حبِّ المسلمين لرسولهم وظهوره صلى الله عليه وسلم للعالم مدى الحياة وليس لحظة الولادة فقط، ليس هناك أبهج ولا أبدع ولا أروع من ذلك.
وثق تماماً أن أيّاً من الصحب الكرام رضوان الله عليهم لو كان في زماننا لاحتفل بعيد المولد النبوي وآزر الاحتفال وناصره واستمع لمدح الحبيب بترنم وشوق وحنين، فهذه سنة حسنة وما أبدعها من سنة وما أجمل أن نحتفل بأشرف الناس وأطهر الناس والذي مدحه عزّ وجل بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} سورة القلم: الآية (4).