ما هو الفرق بين المسلمين والمؤمنين والمتقين؟

ما هو الفرق بين المسلمين والمؤمنين والمتقين؟

المسلم من سلم الناس من لسانه ويده.
المسلم: امرؤ سار مع أهل الحق وأهل الصدق ولازم مرشداً صادقاً واتّبعه، فصدّق بما جاء به رسول الله ﷺ تصديقاً كبيراً، وبهذه الرفقة والملازمة مع أهل الصدق عاش بنعيم قلبيٍّ بما ينعكس عليه عن طريق مرشده فأغناه عن المحرمات واستقام وحافظ على جوارحه فلم يقع في معصية ولم يقترف إثماً وابتعد عن اللغو والمجون وسَلِمَ الناس من لسانه ويده فلا يشتم أحداً ولا يطعن أحداً ولا يلعن أحداً ولا يسرق ولا يتعدى على أحد فلا يسلب الناس أموالهم ولا أعراضهم ولا ينهب الآخرين ولا يأخذ أموال الحرام ولا تقع يده على أذى ولا تلمس حراماً.

استقام هذه الاستقامة بمعية أهل الحق والصدق الذين سار معهم فطبّق الأوامر كلَّها بالتمام وانتهى عن النواهي وجاهد نفسه في هذا التطبيق إذ فعل المأمورات طمعاً بالجنة ونعيمها وترك المنكرات وجاهد نفسه صابراً على الشهوات، خوفاً من النار وحريقها فهذا حال المسلم وهذه آثار محبة الإنسان لامرئٍ مؤمنٍ تقيٍّ من أهل الصدق.

تمسَّك إن ظفرت بذيل حرٍّ      فإنَّ الحرّ في الدنيا قليل

وما دام المرء متمسكاً بمحبة من وثق به وما دام معتمداً على نصحه وإرشاده فهو بخير فإذا مات مات على خير حال، إذ كانت أعماله في دنياه طيبة ولم يفعل شيئاً يخجله أو يغضّ من إنسانيته أمام ربه أو يستوجب عليه القصاص فنال بالآخرة الجنة وعن هذا المسلم عبّرت الآية الكريمة: {..وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ..} الزمر (29).
فانظر إلى أحوال المسلم وآثار ارتباطه بالصادقين ونتائجها.

أما المؤمن: من أمنة الناس على أموالهم وأعراضهم، وذلك لأنه تعرَّف على ربِّه بأن سلك خطوات الإيمان عملياً ولم يتلقّن الإيمان من محدثه أو من أمه وأبيه بل حصل على الإيمان بجده واجتهاده الذاتي ولم يعتمد على أقوال الآخرين فقط حتى يوقن بأن أقوالهم تتطابق وكلام الله بالقرآن.

فصدق بطلب ربِّه وصَمَّمَ على الوصول بالأصول إذ راح يفكر ببدايته ممَّ خُلق ومن الذي عني به وهو ببطن أمه وعندما خرج إلى الدنيا من الذي حضّر له لبناً سائغاً في صدر أمه، مع أنه قبل أن يولد لم يكن لهذا اللبن أيّ أثر في ثدي الأم، والذي خصَّصه الله لهذا الطفل الرضيع، فكم هي رحيمة هذه اليد التي تدبر وتربي وتعتني به! فمال قلبه لله، ثم نظر هذا الإنسان نظرة أخرى في النهاية ورأى أنه يسير نحو الموت، إذ أن الموت كأسٌ لابدّ لكل حيّ أن يتجرعه فالملوك والسلاطين والأغنياء جميعهم لاقوا حتفهم وتركوا الملك والجاه والغنى وراء ظهورهم حتى الأنبياء والمرسلين العظماء ذاقوا الموت.

إذن: لهذه الدنيا بداية ونهاية ولها غاية أُخرج الإنسان لبلوغها، عند ذلك جزم طالب الإيمان في البحث وواصل التفكير والتأمل في الآيات الكونية: في السماء وما فيها، في الأجرام والقمر والشمس ولم يدع آية كونية إلا وفكر بها وما زال يدأب ويجاهد ويجتهد في البحث عن إلۤهه متذكراً الموت والفراق وما بعده ليكون له دافعاً وحافزاً للمضي قدماً فسار كما سار المثل الأعلى والقدوة المثلى لطالبي الإيمان والنموذج الإنساني الأرقى لطالبي ربهم كسيدنا إبراهيم الخليل. وما زال يدأب في هذا الطريق الإيماني حتى وصل إلى معرفة هذا الرب العظيم والإلۤه القدير وآمن إيماناً ذاتياً منبعثاً من قرارة نفسه، لا بناءً على تصديق الآخرين والثقة بهم. بل فقط باجتهاده الذاتي لذاته وتفكيره فرأى يد الله قائمة عليه لا تتركه لحظة ولا أقل من ذلك ومشرفة على الكون كله بسمائه وأرضه وبحاره، فخاف ربه وخشيه وهابه. فتجد هذا المؤمن لا يستطيع أن يفعل منكراً أو يقترف إثماً، إذ يحجزه إيمانه عن الوقوع في المحرمات لأنه يرى الله مشرفاً عليه دوماً ومعه حيثما سار وأنى اتجه وقد تميل نفسه لشهوة من الشهوات المحرمة، ولكن خوفه من الله يحجزه عنها. وهذا ما يشرحه الحديث الشريف: (من قال لا إلۤه إلا الله مخلصاً بها دخل الجنة، فقالوا: ما إخلاصه بها يا رسول الله. قال: أن تحجزه عن محارم الله).

ومن يؤمن هذا النوع من الإيمان لا يثنيه عنه أهل الأرض جميعاً ولو اجتمعوا إنساً وجناً، ولا يستطيع أحد أن يبعده عن ذلك الإيمان لأنه حصل عليه بجهده وبحثه الذاتي وليس من غيره. وفي سورة المؤمنون شرح وافٍ عن المؤمنين وأحوالهم واستقامتهم وذلك في مطلع السورة، وبعد ذلك ذكر الخطوات التي اتبعوها حتى وصلوا لهذا الإيمان من تفكير في البداية والنهاية والآيات الكونية بما في السماء وما في الأرض وهاك الآيات، قال تعالى:

{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (٤) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (٧) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (٨) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (٩) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١١) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦) وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (١٧) وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (١٨) فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (١٩) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآَكِلِينَ (٢٠) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٢١) وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٢٢) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (23)}

ويستمر هذا المؤمن على الاستقامة والطاعات وأعمال البر والإحسان والخيرات فتتولد الثقة بنفسه بأن الله راضٍ عنه بعمله فتقبل نفسه على الله مطمئنة برضاه عنها، وذلك بالصلاة فتقف بين يدي ربِّها خاشعة استعظاماً مما شاهدته من عظمة ربها متذللة ليعفو الله عما مضى من أخطاء وإساءات قامت بها في الجاهلية، ويغمرها تعالى بنوره وتجلياته فتزول من النفس المصلية الميولات المنحطة والصفات الذميمة والعلل والأمراض النفسية وتنال المكرمات والكمالات من رب الكمال فتغدو مزدانة بالكمال ومتشحة بالفضائل، فمن يؤمن هذا الإيمان ويصلي هذه الصلاة الصحيحة يهدي الله قلبه ويدله ويرشده للرسول ﷺ {..وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ..} التغابن (11). فيهتدي ويعرف أن رسوله هو رسول الله بإيمانه ولو أنكره الناس جميعاً يحب المؤمن رسول الله ويقدِّره لسبقه إياه في مضمار الكمال والفضيلة، فترتبط نفسه به ارتباطاً قلبياً معنوياً وهذه الروابط روابط تقدير ومحبة لا انفصام لها لأنها مبنية على أسس قويمة من الإيمان الذاتي اليقيني (فلا يعرف رسول الله إلا المؤمنون بالله) وبهذه الرابطة يسري النور الإلۤهي من الله إلى هذا العبد عن طريق الوسيلة السراج المنير ﷺ، فيرى المتقي الخير خيراً فيتبعه حباً به ويرى الشر شراً فيتجنبه ويعافه كرهاً به لما يرى فيه من ضرر وأذى وتلك هي التقوى هي أعلى وأسمى مراتب الإيمان.

فالتقي: إنسان بصير مستنير بنور الله عن طريق رسول الله ﷺ، ومشاهد بهذا النور حقائق الأمور حيث يميِّز خيرها من شرها هذا قد نجح ما دام مستقيماً لأنه حمل الأمانة من دون كافة المخلوقات والكائنات وعاهد على ألّا ينقطع عن النور ويتمسك به فلا ينفك عن الله وحقق ذلك فلم يخن ولم يحنث بعهده فقد وفّى هؤلاء هم المتقون {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ، حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ، وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ، وَكَأْسًا دِهَاقًا ، لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا} النبأ (31-35).