سيدي الفاضل الأستاذ عبد القادر الديراني حفظه الله الأخوة الكرام في موقع العلامة الكبير محمد أمين شيخو سلام عليكم ورحمة الله وبركاته جزاكم الله خيراً وجعلها في صحائف أعمالكم إلى يوم الدين، حقيقة يعجز اللسان عن الشكر لما تقدمونه في الموقع من قبسات نورانية لكل تائه وضائع في هذه الدنيا نسأل الله أن يجزيكم أحسن الجزاء لأنه وحده القادر.
سؤالي هو: نجد في جميع سور القرآن الكريم أن اسم السورة موجود في ثناياها إلا سورتين اثنتين وهما سورة الفاتحة وسورة الإخلاص لم نجد التسمية في الآيات فيهما. بارك الله أعمالكم وجزاكم خيراً والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
سورة الإخلاص هي حقاً لمن صدق مع الله وأخلص لرسوله الرحيم وبالآية الكريمة بسورة التوبة: {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}. وتلك أيم الحق غاية وأقصى المنى من خلق الإنسان، للسعادة خلقنا جميعاً إن عذنا بالله ربِّه صلى الله عليه وسلم.
(الإخلاص لرسول الله مرشدنا، والصدق مع حضرة الله ربنا). فما في قلب رسول الله أبداً إلا الله فبإخلاصك له وتقديمه بقلبك عمن سواه، صرت بصلاة دائمية مع الله وغدوت كلُّك خيراً لنفسك وللخلق.
وذلك سبب تسمية هذه السورة بسورة الإخلاص، وهذا هو الإخلاص الشريف ودليل ذلك أن الله يخاطب رسوله بكلمة {قُلْ..}: أي قل لهم يا محمد، ولم يقل سبحانه لغيره، ولم يعطِ غيره القرآن {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} سورة الحجر: الآية (87). ولو رجعت يا أخي السائل إلى كتاب موسوعة عمَّ لوجدت جواب سؤالك واضحاً خلال شرح سورة الإخلاص.
والحقيقة أن الوصول للحضرة الإلۤهية لا يتمُّ للمنقطعين عن الشهود الإلۤهي، إلا بالاتصال بواسطة من لم ينقطع عن حضرة الله طرفة عين، منذ عالم الأزل ألا وهو رسول الله الصادق الوعد الأمين، الذي أخلص لله وما بقلبه إلا الله الباقي بالله البقاء السرمدي والشاخص ببصيرته المتسامية لوجه الله الكريم، فإذا أنت أخلصت للرسول؛ فإذاً خَلُصتَ من الشرور والأذى، وأصبحت مثله ما في قلبك إلا الله، ولكن بدرجتك وتكون قد وفيت بعهدك الذي وعدته والذي أشفقت منه السموات والأرض والجبال.
فالسحرة الذين أخلصوا لسيدنا موسى لم يعد يقبلوا بملك مصر، والدنيا لم يعد لها قيمة لديهم: {قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} سورة طه: الآية (72): قبلوا الشهادة والتضحية بالدنيا كلها.
فمتى أخلص الإنسان لرسول الله لم يبقَ في نفسه شهوة منحطة أبداً، وهذا هو الإخلاص الشريف لأنه يقربك إلى الله، فيصبح من {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} سورة المعارج: الآية (23). فجاء الاسم دلالة على المعنى.
اسمها الإخلاص: أي خَلُصت من حب الدنيا الدنية، وأضحت في المعارج الإلۤهية، وهنالك اسم ثانٍ لها وهو (سورة الصمدية) فبدل الاسم اسمين، واسم الصمدية موجودٌ في ثنايا السورة {اللَّهُ الصَّمَدُ}: والصمد هو الذي يمدُّ دوماً ولا يستمد أبداً.
أما عن سورة الفاتحة أقول:
الفاتحة والقرآن هذه ليست لي ولا لك أيها السائل ولا لأحد في العالمين، إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله قال له {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} سورة الحجر: آية (87).
{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ..}: يا محمد ومن هو سيدنا محمد؟. إنه السراج المنير {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيراً} سورة الأحزاب: الآية (45-46). فكيف ترى إذا لم يكن لديك نور؟! وكلُّنا قد فقدنا منذ الأزل النور، أما الرسول فلم يفقد النور ولم ينقطع عن الله طرفة عين ودائماً في علو وسمو فهو يصاحبك صلى الله عليه وسلم ليرقى بك في الجنات، أي: بأسماء الله الحسنى وبنوره ليشهدك الغيوب كلّها، أي: يشهدك عالم الآخرة ويشهدك أين كنت في السابق عند خلق النفوس بالأزل، ويريك أن الفضل كلّه والخلق والإمداد من الله، يريك أنه وحده تعالى لا سواه بنوره الساطع صلى الله عليه وسلم، أن الله تعالى هو الذي خلقك ورباك، وكل خير تراه فهو من الله لا شريك معه في ذلك، هذه هي الفاتحة لأنك بها فَتَّحتَ وصرت من أهل البصائر، فالرسول يتلو الفاتحة على المؤمنين {..قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء..} . أي القرآن، وبما أن النور عند رسول الله لذلك فهو الذي يريك الحق ومعاني القرآن، يشهدك المسيِّر ويذيقك رحمته ويُسبِّح نفسك وقلبك بجلال وعظمة الله، فسدرت في بحور ما كنت تعلمها أبداً، وفي جنات ما كنت تعرفها، لقد فتح لك سبل العلم والمعرفة ولولا أن يفتح لك ذلك لما عرفت أين كنت ومن أين أتيت وإلى أين أنت ذاهب فهو الذي يطلب لك الهداية {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}: صراط محمد صلى الله عليه وسلم والسادة الرسل والنبيين عليهم السلام أجمعين، ومن أنعم عليهم من المتقين المشاهدين الذين هم على صلاتهم دائمون، فهو الذي يفتح لك عن جنات أنبياء الله ورسله ويريك بنوره الموصل لنور الله مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فالفاتحة: هي أم الكتاب وهي فاتحة الكتاب، أي: يطلعك على ما أطلعه الله عليه وتنل بمعيته صلى الله عليه وسلم ما نال أنبياء الله من جلال وعظمة عطاءات ذو الجلال والإكرام.
والفاتحة: هي لأنك بها فتَّحتَ وصرت من أهل البصائر، وبها وهي مفتاح الدخول لمعاني القرآن الكريم لكل بيت أو حصن مفتاح يُدخل به إليه وبالفاتحة يُدخل إلى القرآن العظيم فهي فاتحته ومفتاحه:
إنها تعرفك بالله العظيم الرحمن الرحيم وكمالاته والثناء عليه تعالى، لتلتفت نفسك إليه تعالى فتفهم وتعقل معاني كلامه بالقرآن العظيم. فله تعالى الحمد خالصاً وفي بدءٍ وفي ختمٍ.