ما المراد بملك اليمين في الآية الكريمة رقم 6 من سورة المؤمنون؟

ما المراد بملك اليمين في قوله تعالى:
{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6].

يا أخي أنت تسأل عن موضوع ملك اليمين وهذا الموضوع لا يمكن أن يكون إلا في عصر قوة الإسلام ونهوضه، ولا يمكن أبداً في ضعف الإسلام. حتى بعهد الصحب الكرام لم يحصل أخذ ملك اليمين والأسرى إلا بعد أن قوي الإسلام لقوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 67].

إذن: في هذا العصر لا يحصل هذا الموضوع لأن المسلمين ضعفاء وغير ظاهرين بقوتهم في الأرض.

كما أن ملك اليمين لا يستطيع أن يصلحها ويقودها إلى الإيمان إلا أن يكون تقياً مستنيراً بنور الله، ولكن أين التقوى اليوم؟!
أما في عهد الصحابة الكرام وعندما أثخنوا في الأرض وصار الإسلام قوة ضاربة ولها كيانها، وهي مهابة الجانب وقتئذٍ، أخذ الأسرى وملك اليمين وهذا له أسبابه ومسبباته.

فهذه ملك اليمين حينما تُؤخذ أسيرة ويُطلق عليها لفظ عبدة وهي دون الزوجة تشعر بقلة قيمتها وتفقد مكانتها الشيطانية الإغوائية والإغرائية، كما أن العسكري الجندي لا يستطيع أن يظهر ملكاته أمام الضابط لأنَّه يعلم أن الضابط لا يعبأ به فلا يستطيع أن يتمادى، بل هو شبه مكبوت، فلِضَعْفِ نفسها يمنع عنها أذى نفسها الذي تشرَّبته بالكفر وبكلمة: (يا عبدة) تشعر أنها ليست بالقيمة كالمؤمنة، فيكون هذا حافزاً لها ودافعاً يدفعها لكي تفكِّر: من الذي خفضني ورفع تلك الزوجة؟!

فتجد أن الإيمان هو الذي يُعزُّ الإنسان، فتبدأ بسلوك طريق الإيمان بالتفكير ولا يستطيع أن يقودها إلى الإيمان إلا تقي بصير ينظر بنور الله ورسوله فلا يستطيع أيُّ إنسانٍ غير التقي أن يقودها إلى طلب الإيمان فإن آمنت وتغيَّرت نفسها من الشر إلى الخير وسلكت مسالك المؤمنات عندها بإيمانها يرتفع شأنها إذ أن الإيمان يرفع شأن الإنسان فإن كانت للمؤمن رابطة قلبية برسول الله فهي سابقة للرابطة الزوجية، وهذا الرجل المؤمن التقي يُعْطَى هذه الأَمَة ليخرجها من الظلمات إلى النور.

وبالأصل فإن ملك اليمين توضع بين النساء المؤمنات اللواتي هنَّ أعلى شأناً منها بإيمانهن وإذا لم يتقدم لها أحد للزواج بها ولم تعد تصبر، بل يُخشى عليها من أن تتعقَّد وتصيبها أمراض نفسية إن بقيت دون زواج فبهذه الحالة يحق للمؤمن التقي التسرِّي بها "دون دفع مهر" خدمة لها لإنقاذها وهو ليس بطالب شهوة وحاشاه، بل هي التي تتطلَّب، فلماذا تكلِّفه فوق عمله الإنساني قيماً مادية؟! وهي ليست بعدُ أهلاً لذلك المهر.

إذن: ملك اليمين سُمِّيت بهذا الاسم من اليمن وهو الخير الكثير لما فيهم من خير عظيم، فهداية نفس إنسانية خير مما طلعت عليه الشمس، إن كان يستطيع هدايتها، وشرطها أن يكون تقياً يستطيع القيام بإصلاحها وإصلاح أُمّة كاملة. فهل هذا موجود في زماننا الذي يفتقر لمؤمن حقيقي، فكيف بتقي؟!

إذن: في زماننا هذا لا مجال للبحث في هذا الموضوع أبداً. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إذا كان الإسلام ضعيفاً ودولة الكفر قوية فإن الأسرى من عبيد وملك اليمين سوف ينظرون نظر التقدير لدولتهم ذات القوة والصولجان، ونظر الاحتقار والاستخفاف لدولة الإسلام لأنها ما زالت ضعيفة الجانب، لذلك لا سبيل للهداية والانقاذ من براثن الكفر. لذا منع الله تعالى المؤمنين أخذ الأسرى والإسلام في بدايته لضعفه كما في الآية: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 67].