السلام عيكم ورحمة الله وبركاته
هناك سؤال يخطر في بالي منذ أن كنت صغيراً.
لماذا الله عزّ وجلّ وهو الرحيم القادر على كل شيء لا يقضي على أصحاب النار بدل أن يخلدهم في النار؟ مثلاً بأن يرجعهم إلى العدم.
أعاذنا الله وإياكم من أن تكون النار مثوى لنا.
قلت بدل أن يخلّدهم في النار، والآية تقول: {..أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ..} [البقرة: 39].
1- الصحبة لا تكون بالإكراه، فهم الذين صاحبوها كما بالآية: {..أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ..}، فهم صاحبوها بمحض إرادتهم ليتخلّصوا مما هم فيه من آلام جهنّمية جرّوها لأنفسهم.
2- الآية تقول: (هُمْ) وليس الله، كما تقول أنت.
3- {..هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ..} : بإرادتهم، وليس مخلّدون من قبل الله.
فالله خلقهم كما رأيت في عصمة الأنبياء ليمنحهم بدل الجنّة جنات ولم يخلقهم أبداً ليصاحبوا النار، خلقهم للجنّات للسعادة، ولكنّهم خالفوا وعصوا وسلكوا الطريق الموصل بهم إلى هذه المستشفى ونعوذ بالله من أن تكون لزاماً لنا.
أما طلبك بأن يرجعهم إلى العدم:
فالعدم أو الذي يذهب بما صنع إما أن يكون:
1- قد خلق ثم ترك، وحاشا لله عن ذلك وتعالى علواً كبيراً.
2- أو كالأطفال الذين يلعبون على شواطئ البحار أو بالثلوج أو بالتراب، فيبنون ويصنعون تماثيل وأبنية ترابية، وبلحظة يخرّبون ما صنعوا ويعدمون ما أوجدوا، فتعالى الله عن ذلك اللعب علواً كبيراً.
3- أو أن يكون شارب خمر أو مخدّرات، وهو معرض عن الله منبع الخير والفضيلة والكمال المقارن لعدوه الشيطان، حين يكون فاقداً وعيه لا يدرك ما يصنع من قتل لصديقه أو هتك لعرضه ولكنه يندم عندما يصحو من سكرته وغفلته حزينا على ما صنعت يداه. وحاشاه تعالى من فقدان للوعي ليخلق ويعدم، وإلا لزالت الكائنات وعدمت، وحاشاه أن يكون قد ندم على ما خلقه تعالى، لأنّ الخلق أخطؤوا فيعدمهم، وتعالى الله الكامل المطلق عن تلك الصفات اللاواعية وهو المدبّر للكائنات بكمال الكمال صغيرها وكبيرها.
4-أو أن يكون فاشلاً لم يجد نتاجاً لسعيه ولم يجنِ ثماراً من عمله فأعدمه، وحاشاه تعالى عن هذا الوصف، فهو: {..وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ..} [الرعد: 41]: حكمه كاملٌ لا يحتاج لتعقيب، أي: تكميل، إذ لا نقص فيه ليعدمه، {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام: 115].
فهو تعالى صاحب الحبّ الكامل والعلم الشامل للجميع دون استثناء.
لو استجيب لطلبهم العدم والموت لكانوا أمام أحد أمرين اثنين:
1- إما أن يتراجعوا عن طلبهم الموت والفناء لحظة الاستجابة، لأنهم بذاتهم كاذبون بطلب الموت وهم بالنار ماكثون. إذ طلبوا من المَلَك المملوك {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ..}: فأجابهم الملك: {.. قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ} [الزخرف: 77]: أنتم تكذبون إنكم برضائكم بنار الله الموقدة تلقون بأنفسكم إليها، أنتم بذاتكم (مَّاكِثُونَ). إذن هو كاذب بدعواه فهو لا يريد الموت والعدم حقيقةً. لأنّ المكوث في النار هو منهم وليس من الله {..وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ...} [إبراهيم: 17]، هو يرفض الموت حقيقةً.
2- لو أراد ذلك وطلب العدم والموت حقّاً وأيقنت نفسه بالزوال حقّ اليقين لتنازلت النفس عن ذاتها وشهواتها وكبرها وتصاغرت أمام ربها وتراجعت إليه تعالى فأدخلها الجنّة، "وكفى بالموت واعظاً". إذن الموت سبب ترك النفس شهواتها وعللها وأمراضها، ومحرّض للإقبال على الله تعالى، فهؤلاء لم يتنازلوا حقاً عن كبرهم ومخالفاتهم ووجهتهم الدنيئة لشهواتهم المنحطّة لذا فالنار مثوىً لهم، علماً بأن المثوى لغةً هو مكان الإكرام أعاذنا الله منها. فالصالح لا يتطلّب المستشفى إنما المريض يطلبها، فدعهم ومرضهم يا أخي ولا تتمنّى العدم لهم.