لماذا ذكرت قصة سيدنا موسى عليه السلام في القرآن في عدة مواضع؟ والتكرار في النص الأدبي يضعفه

ذكرت قصة سيدنا موسى عليه السلام في القرآن أكثر من مرة وموضوعها واحد، مع تشابه النصوص في كل موضع، والتكرار في النص الأدبي يضعفه فكيف يتناسب ذلك مع إعجاز القرآن وبلاغته؟

الأخ الفاضل حفظه المولى الكريم ... آمين
قال الذين لا يعرفون قدر القرآن بأن فيه ذكراً كثيراً عن موسى، دوماً موسى، موسى، موسى!
الحقيقة لكل قصة مغزى والكل يدور حول التعريف بكلمة لا إلۤه إلا الله.
لنرجع لجدِّ سيدنا موسى عليه السلام وهو سيدنا إبراهيم ﷺ الذي استدل بفكره أن عبادة الأصنام لا أساس لها وما زال يبحث ويفكِّر حتى اهتدى إلى الله سبحانه وتعالى فقال: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}: لمَّا آمن بهذا وعرف أن الإلۤه واحد وهو معه حيثما سار عاد إليهم يذمُّ آلهتهم مبيناً لهم ضلالهم إلى أن فعل ما فعل بآلهتهم، ولكن كيف قال بهذا وهو وحيد وقومه كلهم ضده؟
عندما آمن بلا إلۤه إلا الله عرف أن السير كلَّه بيده ففعل ما فعل. جرت مجادلة بينه وبين النمرود فبهت الذي كفر. كان بإمكان النمرود أن يقتله لكنه تعالى حوَّل فكر النمرود فجعله يأمر بإخراجه من بلده بدلاً من قتله، مع أنه لو كان له حول أو قوة لأمر بقتله. لو كان له فعل لتخلص منه لكن السيْر كلُّه بيد الله.
وهلك الكافرون في النهاية. خرج سيدنا إبراهيم ورزق بإسماعيل ﷺ فلمّا أحبه ذلك الحب الشديد أمره الله بذبح ابنه ثم فداه. كل ذلك يجريه الله لنعلم أن الفعل بيده تعالى وحده، وأن الحب يجب أن يكون خالصاً لله. جاء سيدنا يعقوب جد بني إسرائيل، ولمَّا مال إلى يوسف عليه السلام من دون إخوته أرى الله تعالى تلك الرؤيا ليوسف ﷺ فهام يعقوب بابنه وكان ما كان لينقطع يعقوب عن ابنه، لأنه بعد ما زال دونه في المكانة فما أن نضج يوسف عليه السلام فصار أهلاً لأن يمشي يعقوب عليه السلام في معيته حتى جمعه به.
كذلك أولاد يعقوب ﷺ، المراد من قصتهم مع سيدنا يوسف: أن الإنسان إن تاب أمكن رفع شأنه وبنو إسرائيل كل قصتهم إنما ذكرت لتبيِّن لنا أن الفئة القليلة إن رجعتْ إلى الله سيَّدها على غيرها أما إن فسدت ذلَّت، كما وقع لهم مع فرعون. كل ذلك عبرة لنا بعدهم كيلا نسير بسيرهم:
{وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} سورة الأعرف (141).
فلما التجأوا أرسل الله سيدنا موسى ﷺ أرى تعالى فرعون رؤيا يحذِّره بها حناناً عليه ورأفة به علَّه يرجع ويرعوي عن غيه وضلاله وبما أنه لم يرجع بل قتل وذبح، أرانا تعالى كيف ربى موسى ﷺ ليرينا أن الفعل بيده تعالى وحده، إذ ساق موسى لقصر فرعون كل ذلك لنعرف أن الفاعل هو الله وحده ولا تصرُّف إلا به.
ثم ردَّ موسى لأمه إذ حرَّم عليه المراضع ثم بيَّن لنا تعالى أنه لا يعطي الرسل إلا بالحق. شبَّ سيدنا موسى وكان في عزَّة ونعيم لكنه جازف بكل ذلك تجاه نصرة الحق، تجاه مرضاة الله.
وذهب سيدنا موسى إلى شعيب عليه السلام وعاد إلى فرعون وفرعون كان خائفاً ذلك الخوف من رؤياه التي رآها في نومه.
فلمَ لم يقتل موسى! هذا دلالة على أن الفعل بيد الله وحده فلا فاعل إلا الله.
بدلاً من قتل موسى ﷺ قال له فرعون هل معك آية؟
وألقى العصا وكانت المباراة ووقع الحق. هنالك عظَّم السحرة موسى ﷺ اتجهوا نحوه فاستناروا بذلك السراج، شاهدوا الكمال الإلۤهي فسجدوا وهاموا. أما بنو إسرائيل حيث أنهم لم يعرفوا شأن موسى ﷺ فلم يؤمنوا ذلك الإيمان الذي آمنه السحرة.
جرت مناقشات بين فرعون وقومه وما تجرأ أن يؤذي موسى عليه السلام وأخيراً لم يُهلك الله فرعون مباشرة بل أراهم معجزة البحر علهم يرجعون ثم ألقى الموج فرعون على ساحل البحر لعلَّ بني إسرائيل يتعظون، ولكن وبما أنهم لم يؤمنوا بلا إلۤه إلا الله عندما مرَّوا على قوم يعكفون على أصنام لهم، قالوا: اجعل لنا إلۤهاً كما لهم آلهة. ثم كانت قصة عبادة العجل وذهاب السبعين مع موسى عليه السلام يستغفرون لقومهم، فلما قال لهم إن الله يأمركم بقتل أنفسكم لم يصدَّقوه، بل قالوا: لن نؤمن لك بهذا القول حتى نرى الله جهرة ونسمع منه. فصعقوا ثم قتلوا أنفسهم، لكن وحيث أنهم لم يؤمنوا بلا إلۤه إلا الله عندما أمروا بفتح القدس لم يطيعوا ووقعوا في التيه أربعين سنة، ودخل بعدها في بيت المقدس.

وهكذا فالحقيقة ليست إيراد القصص في القرآن الكريم حكايات تتلى إنما لكل قصة عبرة ومغزى ومن ورائها موعظة وفكرة وكلها تدور حول كلمة «لا إلۤه إلا الله» ولكل قصة مناسبتها ومكانها وتخدم فكرة معينة وليس هناك تكرار أبداً، فلابدَّ من إيرادها في مكانها من القرآن لاستكمال المعنى وإتمام وحدة الموضوع فليست هذه القصص أساطير تروى إنما فيها فائدة كبرى تشرح وضع الناس اليوم إذ: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}: ولكن هي لنا لنحذر من أخطاء غيرنا ونتجنبَ سير الهالكين ونسلك مسالك المؤمنين، «والكَيِّس من اتعظ بغيره والشقيُ من اتعظ بنفسه».