السؤال: أورد الله تعالى في ذكره الكريم بعد بسم الله الرحمن الرحيم:
{فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ..} سورة المعارج الآية (40). كيف لا يقسم الله تعالى باسمه وهو خالق كل شيء، وأقسم بعمر رسوله الكريم؟! أرجو التوضيح.
المشارق والمغارب نفوس غير مكلفة، وموقف ربِّها معها بعطائها لا يماثل وضعه تعالى بتجلياته الكبرى على حبيبه الناجح الأكبر على العالمين.
{فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ..}:
الآيات التي قبلها تتحدث عن جماعة من أولي النفاق:
{فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ، عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ ، أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ ، كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ} سورة المعارج: الآية (36-39).
هؤلاء حالهم كحال المنافقين جاؤوا لعند رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلوا وغدوا مؤمنين وقدَّموا أعمالاً صالحةً في البداية فما لبثوا أن تحولوا: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ..} سورة المنافقون: الآية (2).
لأنهم لم يقدروا الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يعظموه، اكتفوا بإيمانهم الفكري وآمنوا بربِّ المشارق والمغارب ولكنهم لم يواصلوا الإيمان حتى يشهدوا ألا إلۤه إلا الله وأن محمداً رسول الله، فغلبهم حب الدنيا وأخطؤوا ثانية بأعمالهم فخالفوا وارتكبوا.
والرسول صلى الله عليه وسلم هو السراج المنير الذي ينير للمؤمنين طريقهم ويريهم الخير خيراً والشر شراً قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً} سورة الأحزاب: الآية (45-46).
فالرسول هو نور العالم من مشى بغيره مشى في الظلام، فمهما سمع الإنسان ومهما توصل بفكره من تصديق واعتقاد وإيمان لا يكفيه ذلك ليخرج من الظلام إلى النور، لابدّ له من السراج المنير صلى الله عليه وسلم.
والآيات السابقة تتحدث عن جماعة يحضرون عند رسول الله لكنهم لم يعظّموه ولم يقدّروه، كبني إسرائيل مع رسولهم سيدنا موسى عليه السلام، فما اتخذوه سراجاً منيراً لنفوسهم يرون به الحقائق، لذا بقوا ضمن التصديق دون الشهود فلا هم من أهل الدنيا وضلالها وفجورها وما هم من أهل الآخرة والإيمان والتقوى، {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ}: يطمعون بالأماني دون العمل والسعي، آمنوا بكل آيات الكون ولم يصلّوا مع الرسول وأنكروه وجهلوه واستكبروا عليه، فالله يقرِّعهم ويبيّن لهم سبيل خلاصهم. {كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ}:
سبب كفرهم عدم تقديرهم لرسولهم السراج المنير لقلوبهم، فأنّى لهم أن يشاهدوا. شاهدوا صورته ولم يقدروه ليشاهدوا حقيقته، فتكبروا عليه والكبر أصل الكفر، فلفتهم تعالى إلى أصل خلقهم لتتصاغر نفوسهم تجاه خالقهم وتجاه رسولهم أي: فليفكروا مما خلقوا، أليس من ماء مهين؟
نطفة لا حول لها ولا قوة. فعلامَ التكبر والعجب بالنفس رغم ما لديهم من سوابق إيمان إلا أن إيمانهم هذا الذي اقتصروا عليه ولم يكملوه بأن يؤمنوا برسول الله، فلم ينتج للجنات لأن الجنة بالأعمال الخالصة لوجه الله.
لذا قال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ..} هذا الإيمان الذي آمنتم به عن طريق الكون واقتصاركم عليه دون الرسول السراج المنير، لا يفيدكم شيئاً لأن هذه المخلوقات الكونية غير مكلفة، لا تستطيع أن تري نفوسكم الأزل والقيامة لتعلموا لم خلقتم وتعملوا لما شاهدتم فتدخلوا الجنان بناءً على ما قدمتم من صالح الأعمال.
إذن: إيمانكم هذا لن تستفيدوا منه شيئاً إذا لم ترتبط نفوسكم مع نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم المنيرة.
الإيمان عن طريق الكون يثبت الإنسان من الارتداد إلى الدنيا إن اتقى، والتقوى لا تكون إلا برسول الله. إيمان المرء يساعده حتى يواصل الصلاة بالرسول صلى الله عليه وسلم وهذا هو المطلوب لكي تتم الرؤية البصيرية.
قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} سورة الحديد: الآية (28).