قال تعالى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} سورة مريم (27).
سيدتنا مريم عليها السلام كانت محجبة حجاباً ساتراً كاملاً ولم تكلِّم إنسياً يومها فكيف عرفها قومها؟
هل عرفوا أن هذه المرأة التي تحمل صبياً في مهده هي سيدتنا مريم لأنها الوحيدة التي اتخذت حجاباً في تلك المنطقة آنذاك؟ كيف خطر لقومها أن الذي تحمله هو ابنها فشكّوا بأمرها واتهموها بالبغاء وحاشاها؟
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أما بعد:
كانت السيدة مريم في الدير ولا رجال هناك أبداً، بل جميع من في الدير نساء، إذ اتخذت من دون الناس حجاباً "خلوة"، فلما جاءها المولود العظيم سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام تناقل النسوة المتواجدات في الدير هذا الخبر العجيب: من أين لها هذا المولود؟! وأشاعوا هذا الأمر حتى خرج هذا الخبر خارج الدير وانتشر بين الناس، من أين جاءها هذا المولود وهي غير متزوجة؟! وتجمهر الناس خارج الدير، فخرجت السيدة مريم به تحمله وهو في المهد، خرجت إليهم وهي بكامل سترها وحجابها الشرعي، فأشارت إليه فكلّمهم عليه السلام وبرَّأ أمه من هذا اللغط بحقها ومما نسبوه إليها.
وهي كانت قد حسبت هذا الحساب وتعرف أن زمانها زمن سوء والناس سيئون، لو شاهدوا ألوف الحسنات وظنّوا بسوء واحد ظنّاً لا يقيناً اتّبعوا السوء وألقوا بكافة الحسنات، وهذا دليل على قلّة الإيمان في ذلك الزمان، لأنها كانت فترة الضعف النهائي لبني إسرائيل، حتى أن الله حرّم ظهور الأنبياء والرسل من أصلابهم بعد كفرهم بسيدنا عيسى عليه السلام، ولأنهم ما آمنوا لم يعودوا أهل خير وفضل وإحسان كأجدادهم، ورغم وجود سيدنا يحيى عليه السلام ومعجزات سيدنا عيسى فقد كفروا، ولا يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل.
إذ قالت السيدة مريم عليه السلام من قبل حين جاءها المخاض: {..يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً} [مريم: 23]. فالطاهر السامي العالي كرامته غالية عليه ويصعب عليه هذا الاتهام القذر، ولكن سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم صعقهم بتكلُّمه بالمهد.
أما عن سؤالك كيف عرفها قومها؟
فقد ذكرنا سابقاً أن النسوة اللاتي كن في الدير أشاعوا هذا النبأ وخرج الخبر خارج الدير، حتى تكتل الناس يريدون معرفة حقيقة ما جرى، فخرجت السيدة مريم إليهم وهي تحمله وبرَّأها الله بواسطة سيدنا عيسى عليه السلام مما قالوه.