طفلة صغيرة راحت ضحية بحادث سيارة بغير قصد، ماذا يترتّب على الفاعل؟

السلام عليكم: في سؤال طرح من الأخ (باسل) فكانت النتيجة بالنهاية هي صيام شهرين متتابعين.
تعرّض والدي لنفس الحادث المذكور ولكن الضحية كانت طفلة لا تتجاوز التاسعة من العمر، والسؤال:
1- ما الفرق بين الرجل الطاعن بالسن والطفلة الصغيرة الغير مكلفة (من ناحية الجزاء طبقاً للقانون الإلۤهي)؟ والله يقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً..}.
2- ما الغاية من صيام الشهرين؟ وما الفائدة العائدة على الفاعل؟ {..تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً} ولكن القتل هنا بغير قصد فلماذا التوبة؟
3- ما الجزاء المترتب على امتناع الفاعل عن صيام الشهرين؟ وهل يظهر أثر الامتناع في الدنيا أم في الآخرة؟
4- النيابة العامّة قد فرضت عليه عقوبة قسرية، فهل يمكننا أن نسمي صيام الشهرين عقوبة؟
مع جزيل الشكر والامتنان

أولاً: تسأل ما الفرق بين الرجل الطاعن بالسن والطفلة الغير مكلفة (من ناحية الجزاء طبقاً للقانون الإلۤهي)؟
هناك فرق كبير بين الطفلة الصغيرة غير المكلفة وبين الرجل الطاعن بالسن. لأن الطفلة إذا ماتت فحتماً مصيرها الخلود في النعيم وهي الولدان المخلدون {..إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً ، وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً} سورة الإنسان: الآية (19-20).
أما هذا الرجل المكلف لا ندري مصيره على حسب إيمانه أو كفره.
وإن وفاة الرجل الطاعن بالسن وقعها على النفس كبير وأكبر من وفاة الطفلة الصغيرة.
أما من الناحية الجزائية: فهذه الطفلة نفس وهذا الرجل نفس. قال تعالى: {كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ..} سورة المائدة: الآية (45). فالذي وقع على يده مثل هذا العمل وهو قتل نفس أيّاً كانت طفلة صغيرة أم رجل كبير فبالنسبة له الفعل ذاته فعليه تحرير رقبة (أو قيمتها قيمة إطلاقها أي فدية أسير فإن كان غنياً يدفع قيمة فدية أسير وإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين).

ثانياً: ما الغاية من صيام شهرين، علماً أن القتل بغير قصد منه فلماذا التوبة؟
نقول: لماذا ساق الله على يد هذا الإنسان ذلك الفعل وهو القتل غير العمد. والله الحكيم الخبير المتصرف بشؤون الكون كله بحكمة وعلم ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، فلا تخفى عليه خافية، فهو أعلم بذنوب عباده ينبههم ليشفوا فيدخلوا الجنة، فلماذا جرى على يد هذا الإنسان ذلك العمل وهو قتل نفسٍ، لا شك أن هناك علة معنوية خفية ولديه أخطاء وتفريطات في جانب ربّه كثيرة حتى ساق الله تعالى له هذا العمل تنبيهاً له أن سيره باتجاه خاطئ لا يرضي الله، لكي يتوب إلى الله ويعيد حساباته فيعدّل ويغيّر ما بنفسه بالتوبة والإنابة إلى الله بعد القصاص وصيام شهرين، إن لم يجد تحرير رقبة، وهذه دليل عن صدقه في التوبة وطلب الغفران والشفاء بعد التنبيه بالحادث، فإذا كان في هذا الحادث ليس لديه عزم وقصد لابدّ أن لديه أخطاء بناءً عليها جرى معه هذا الحادث والمؤمن دائماً يحاسب نفسه ويدعو الله (اللهم اجعلني مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر).

ثالثاً: تسأل: ما الجزاء المترتب على امتناع الفاعل عن صيام الشهرين؟ وهل يظهر أثر الامتناع في الدنيا أم في الآخرة؟
نقول: المتمنّع عن أداء الجزاء أو صيام شهرين إن لم يجد تحرير رقبة ولم يفعل فهذا خارج عن إطار الإسلام ومارق جزاؤه عند ربه هو يجازيه ويظهر أولاً بالدنيا لظهور العلّة الخفية المسببة للخطأ بدل زوالها فيجر العلاجات والشدائد لنفسه.
وعذاب الآخرة الرهيب لأنه لم يُشفَ بالدنيا ولَعذابُ الآخرة أشد.

رابعاً: النيابة العامة قد فرضت عليه عقوبة قسرية. فهل يمكننا أن نسمي صيام الشهرين عقوبة؟
نعم تعقيب لنفسه لتشفى.
نعم عقوبة لنفسه لكي ترتدع وتتأدب وتتوب وتطلب الغفران من الله. لكي يخلص من العقوبة الأكبر في الدنيا وعذاب الآخرة. خلقنا تعالى في الدنيا لنشفى ونطهر وندخل في جنات النعيم الأبدي لا للعذاب. فمن يفرض على نفسه العذاب؟ كل شيء فداء النفس يسيرٌ.