جزاكم الله خيراً على هذا الموقع وجعله الله في ميزان حسناتكم.
الرجاء شرح قصة الإسراء والمعراج ومتى كانت.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإسراء: هو السفر في الليل، الله أسرى بحبيبه من المسجد الحرام إذ كان صلى الله عليه وسلم منفرداً في المسجد الحرام ولم يكن أحد، وصارت له ليلة القدر بالعشر الأواخر من رمضان، فهام بربه عشقاً وبدأ يسمو ويعلو ونال منازل ومراتب ما نالها أحد في العالمين. والله أحب أن ينال عباده ما ناله رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول أيضاً طلب هذا الطلب السامي، فاجتمعت الوجهتان، مراد الله وبغية الرسول.
لأنه صلى الله عليه وسلم عطوف على الخلق عطف حقيقي، فكان صادقاً بحب ربه، وشديد العطف على خلق الله تعالى. فأسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وصلى بالأنبياء والرسل جميعاً ومن معهم من المؤمنين ممن سبق.
فالإسراء بالجسد والروح والنفس. لأنَّ الله تعالى يقول: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ}، وكلمة عبده تفيد الجسد والنفس معاً.
والمعراج: بالصلاة (الصلاة معراج المؤمن) فالمعراج بالنفس فقط، ينتقل بجنات شهودية قلبية تنالها النفس بإقبالها على الله ودخولها في حضرته.
قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا..}: كان صلى الله عليه وسلم بادئ ذي بدء يصلي عن طريق الكعبة، البيت الحرام، الذي حُرِّم على الكافر، الكافر لا يدخل منه أبداً، ومن دخل منه من المؤمنين بالصلاة حُرِّمت عليه النار.
فرقى وعلا وسما صلى الله عليه وسلم بهذه الصلاة الصحيحة، ولذا أُسرِيَ به ليصلي إماماً بالرسل وبالمؤمنين ممن سبق في المسجد الأقصى.
والمسجد الأقصى كان قبلة الله كما كان وجهة أمم عديدة ولعهود متتالية من قبل، تهوي إليه أفئدة المصلين كما هوت إلى المسجد الحرام من قبله وبعده وسمي المسجد الأقصى بهذا الاسم، لأنّ من دخل منه فإنّه يقصَى عن الدنيا وما فيها من ملذات وشهوات رخيصة، أي يبتعد عن الهوى المهلك ويقترب من الله بمعية رسوله، فيبتعد عن النار ويُقصَى عنها وذلك حين ما كان المسجد الأقصى قبلة المصلين.
{...لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا..}: هذه بالمعراج فحاز صلى الله عليه وسلم بهذا العروج المتسامي كلَّ وفوق ما حازه النبيون العظام والرسل الكرام وما به تميزوا وفازوا، فكان إمامهم صلوات الله عليهم أجميعن.
(آدم ومن دونه تحت لوائه، صلى الله عليه وسلم).
انتقد عميان القلوب، قالوا في كل يوم يتجه محمد لجهة، أول الأمر اتجه صلى الله عليه وسلم للكعبة ثمّ أمر بالتوجّه لبيت المقدس. ما عرفوا السرّ من الكعبة وبيت المقدس، قال تعالى: { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا}.
أقول: إنّ أمر تحديد القبلة أمر مرتبط أوثق الارتباط بالإمام، ألا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالمراد من التوجه إلى القبلة هو أن تسري نفوسنا في صلاتنا إلى ذلك البيت وتجتمع مع إمامها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتدخل على الله بصحبة تلك النفس الزكية الطاهرة.
إلا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كانت قبلة الله في المسجد الأقصى، كان ينظر إلى قبلة أسمى للقلوب وأرفع للنفوس حيث أنّ مكّة بواد غير ذي زرع، فلا دنيا تشغل القلوب، والوجهة عن طريقها أسهل وأقرب إلى الله وهي أول بيت وضع للناس، قال تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا}: سنحقّق لك طلبك لأنّه صلى الله عليه وسلم يرى الخير في مكّة لبعدها عن اللهو في الدنيا، {..فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ..}: لتجتمعوا برسول الله الحقوا بالإمام صلى الله عليه وسلم.
إذن هذه هي الغاية العظمى والمراد الأسمى من الإسراء، حيث صلى بالرسل قاطبة ونقل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام. فأصبحت نفوسهم مقبلة على الله بمعية إمامهم عن طريق الكعبة المشرفة بالأنبياء وعرج بهم إلى منزلة أسمى وأرقى مما قبل فكان بذلك معلمهم وإمامهم، فليست العبرة للمكان والحجارة إنما العبرة للإمام، ولنا أن نتمثل قول من قال:
وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حبّ من سكن الديارﷺ