وردت آيات في القرآن تدل على أن اليهود أفسدوا مرتين، نريد تفسير هذه الآيات، وهل إفسادهم انتهى بالمرتين أم يمكن أن يستمر؟
قال الله تعالى في سورة الإسراء:
{وَقَضَيْنَا..}: حكمنا وبيَّنا. {..إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ..}: إن لم تدخلوا من باب موسى عليه السلام عليَّ فلم تقدِّروا سراجكم المنير موسى عليه السلام وتسيروا ضمن أمري: {..لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ..}: إن تركتم لا إلۤه إلا الله، ملتم لغير الله، ما آمنتم بالله، ستميلون للدنيا وتجعلون الناس يميلون إليها، وسيكون هذا مصيركم (كذلك يحصل للإنسان ضيق وبكل حين، أو رؤيا مذكِّرة لعلَّه يعود ويتوب فيريه الله العلّة التي بنفسه)، إن لم ترتبطوا بموسى عليه السلام وتطبِّقوا كلامي سيحصل معكم هذا الشيء وتفسدون مرتين.
{..وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً}: حيث أن قلبهم ممتلئ بالخبث. إن تباعدتم عن الله ولم تعظِّموه ولم تدخلوا من باب موسى عليه السلام سيقع بقلبكم حب الدنيا وستعلون بها.
{فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ..}: سيكون هذا لكم، الفساد الأول لمّا تسلَّط عليهم (بختنصَّر). {..فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ..}: فجاؤوا لتأديبكم، وحصل لكم ما حصل. {..وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً}: هذا وقع بالسابق (هذا الخطاب لليهود في عهد رسول الله ﷺ، ذكَّرهم الله بما جرى لهم)، ثم بعدها تبتم ورجعتم والتجأتم، وعاهدوا فجاءهم سيدنا داوود عليه السلام.
{ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ..}: بعصر داوود عليه السلام، وانتصر سيدنا داوود على العدو ورفع الله شأنهم، فأعطيناكم مالاً وأولاداً: {وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً}: صار لكم مقامكم العالي.
الآن أرسلنا لكم محمداً ﷺ ومعه القرآن، فخاطبهم تعالى:
{إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ..}: الآن قد حصل لكم يا بني إسرائيل أولاً ما حصل، ولكن إن أحسنتم وآمنتم به، فتبتم ودخلتم من باب محمد ﷺ عليَّ حوَّلت عنكم البلاء، وخلصتكم منه. {..وَإِنْ أَسَأْتُمْ..}: ظللتم على ما أنتم عليه. {..فَلَهَا..}: ستحصل لكم الثانية. {..فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ..}: الوقعة الثانية. {..لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ..}: ستستاؤون كما حصل لكم زمن (بختنصَّر)، إذ سنرسل لكم هؤلاء المؤمنين. في المرة الأولى اليهود يغْلِبون ثم النصر حتماً للمؤمنين. {..وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً}: لا يبقون لكم أثراً بل يقطِّعونكم تقطيعاً. وهكذا فالله تعالى يرسل على الإنسان إن فسد (ضربة) فيرجع إلى الله فيعطيه الدنيا مرَّة ثانية، فإن نكل جاءه الهلاك.
أما عن سؤالك: هل إفسادهم انتهى بالمرتين أم يمكن أن يستمر؟
الجواب: فسادهم في المرة الثانية فهو ما تراه الآن أمامك من فساد اليهود في العالم بأسره، فهم سبب فساد أوروبا والعالم بأسره، وسيقضى على هذا الفساد بإذن الله حين قدوم رسول السلام السيد المسيح عليه السلام، إذ وعده الله بالنصر المؤزّر بقوله تعالى: {..وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ..} [آل عمران: 55].
ففسادهم في المرة الثانية لا يمكن أن يستمر، فقد حان وقت هلاكهم، إلا من يؤمن منهم لقوله تعالى عن سيدنا عيسى عليه السلام: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ..} [النساء: 159].