السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سيدي الكريم لدي استفسار حول قصة سيدنا يونس عليه الصلاة والسلام وهو:
وردت الآية: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ ، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} هذه الآية دليل على عدم فناء أجساد الأنبياء، حيث أنه لو بقي في بطن الحوت إلى يوم يبعثون لما تأثّر جسده الشريف كما ورد في كتاب عصمة الأنبياء، في حين ذكر في نفس الصفحة (من الكتاب) أن جسده الشريف أصبح عرضة للتأثّر لأي عامل خارجي بسبب بقائه في بطن الحوت فترة زمنية ريثما نقله الحوت إلى بلدته المعنية، لذلك جاءت الآية: {وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ} لكي تحمي جسده الشريف من التأثّر.
إذاً كيف أنه لو بقي إلى يوم يبعثون لا يتأثر، وكيف بقي فترة زمنية بسيطة وأصبح جسده عرضة للتأثر؟
أفيدونا زادكم الله من علمه خير الزاد.
يتعرض جسد النبي في الحياة الدنيا لكافة الظروف والمؤثرات الكونية ويطرأ على جسده الشريف ما يطرأ على أي جسد آخر.
والآية الكريمة تقول على لسان سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ..} سورة الكهف: الآية (110): من الناحية الجسدية شأنه كشأن سائر الناس يمرض ويكبر ويشيخ ويضعف جسمه، إذ الدنيا دار عمل وجهاد من أجل الأجر والثواب، فهي مزرعة الجنات. وكذلك سيدنا يونس عليه السلام في بطن الحوت تأثر جسمه الشريف من الحرارة والرطوبة، فإذا ما خرج فجأة إلى الوسط الخارجي حيث الهواء وأشعة الشمس فسوف يكون جسمه عرضة للتأثر من أبسط المؤثّرات إثر الانتقال المفاجئ من وسط إلى آخر، فرحمة الله تعالى بأن أنبت عليه شجرة من يقطين تظلّله بأوراقها من الحر ومن كل ما يمكن أن يتعرض له جسمه.
أما بعد الوفاة وإثر انتهاء وظيفة النبي القدسية يكون قد استوفى عطاءه من ربه ونال الأجر والثواب على ما قدَّم من عظيم التضحيات والجهاد المقدس في حياته الدنيا، وعاد إلى ربه لينال مقامه الذي سنَّمه الله إياه، فيكون عندها الحكم لله وحده، ولم يعد لهذا الكون أدنى تأثير أو حكم على جسده فيحفظه الله من أي مخلوق يقترب إليه، فتختلف وقتئذٍ القوانين المادية بالنسبة إليه، فيحفظه الله من الفناء.
صار حكمه لله وانتهى من التكليف ودخل إلى عالم التشريف، كما صار أمر أهل الكهف لله حينما طلَّقوا الدنيا وسلّموا أمرهم إليه، فجعلهم نماذج إيمانية لكافة البشرية ليحتذوا حذوهم بالإيمان، فمن صدق كصدقهم يحصل له كما حصل لسيدنا يونس عليه السلام، أي لا يفنى لو بقي في بطن الحوت إلى يوم يبعثون، بل ولأبقى له الحوت بلا فناء. وبما أن الله حرَّم على الأرض أن تأكل أجسام الأنبياء بعد أداء وظيفتهم الدنيوية ونالوا مقامهم العالي فهم محفوظون، وليس ذلك بأمر عجيب فالصحابة الأقوياء منهم والشهداء بقيت أجسامهم لا تفنى بما قدَّموه من جلائل الأعمال وهداية الأمم، وكذلك صلاح الدين الأيوبي فما بالك بالنبي الرسول سيدنا يونس!
أما في الدنيا فالدنيا دار امتحان يتعرّض فيها للأنواء كما يتعرَّض غيره من البشر، والآن انتهت الدنيا وعاد إلى ربه وصار أمره وإكرامه وحكمه لله.