سؤال يجول فكري منذ سنوات ولم أجد له جواباً حتى الآن وهو:
إذا كان الله تعالى عليماً وطبعاً علمه مطلق (لما كان وما سيكون) فإنه يعلم كل شيء وإذا كان الإنسان مخيراً (فيما خيَّره الله) فإن الله تعالى يعلم ما سيكون خياره وعندها لا يكون الإنسان مخير بل مجبراً بعلم الله.
الأخ الفاضل حفظه المولى الكريم ... آمين
صدقت يا أخي بما نطقت وحجتك لا ردَّ عليها فالله {..كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}، فكلما غيَّر الإنسان أو بدَّل فهو تعالى يعلمه حتى نهاية نهاياته.
فإن بدَّل الإنسان ثانيةً فالله يعلمُه لنهاية نهاياته. فالإنسان مخيَّرٌ أقصى حدود الاختيار، غير مجبر و{..لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ..} سورة البقرة (256). و {..إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ..} سورة الرعد (11).
فالاختيار السابق كان بعلم الله لأقصاه وليس هناك سواه، ثمَّ لمَّا تم اختيارُ غيره وتمَّ التبديلُ فهو بعلم الله لأقصاه ويعلمه تعالى لمنتهاه.
وبما أن الإنسان مخيَّر فهو مسؤول عن اختياره وبه يُحاسَب، فإن كان اختيار المرء يسوقه حتماً للنار أماته تعالى قبل سن التكليف أي قبل البلوغ، قبل أن يعمل باختياره فيتحتَّم عليه الهلاك. يُميتُه قبل أن يعمل ما يوصله حتماً للنار، فلا عمل ذو مسؤولية عليه، فيصبح من الولدان المخلدين بالنعيم بالآخرة لا بالنيران أبداً، جزاء قبوله الأول واختياره الأول بحمل الأمانة ثم فشله لتغيير اختياره السابق من قِبَلهِ لا من قِبَلِ الله، إذ للسعادة والجنات خلقنا الله لا للنار، فأسماؤه كلها حسنى ولا إلحاد في أسمائه تعالى الحسنى.
حتى في حمل الإنسان للأمانة لم يكن جبراً بل عرضاً لكافة المخلوقات ليختاروا ما شاءوا ولهم الخيرة، فلمّا غيَّروا هم لِمَا يوصلهم للهلاك والنار جعلهم يموتون قبل سن التكليف حينما حلَّ في علمه جانب هلاكهم.
وحينما حلَّ في علمه تعالى أنهم لا يخونون، جعل طريقهم يُسراً وسروراً وعلْمُه بجناتهم الأبدية لا نهاية له، ولا يغيِّر الله ما بقوم حتى يغيِّروا. فإن غيَّروا فمصيرهم ضمن علمه فهو عليمٌ بكافة وجهاتهم محيط بها، لذا بيَّن لهم منذ عهد الأمانة أن المسألة عندهم وهو أعلمهم بمصيرهم المرعب، إن غيَّروا فهم يكونوا قد حتموا مصيرهم للنار وليس هو تعالى وحاشاه فهو خلقهم ليكون لهم بدل جنتهم العالية الواحدة جنات متعالية، وليس سوى ذلك، لا نار ولا يحزنون، فلا يغيِّروا، فإن غيَّروا وأرادوا العودة لعهد الأمانة للجنات قَبِلَهم.
فالنار مخلوق، فهي تحزن عليهم لاختيارهم الأحمق الأرعن.
هم تركوا الجنات وتركوا ربهم، والله يَعلَمُهم ولا يُجبرهم، إلا هم كما يشاؤون ولا إكراه في الدين، وبالنسبة لله فإن أمره (كن فيكون) ولا يوجد لعلَّ، ليس أمامه مستحيل.
"ولعلّ" للبشر لا لله. (لَعلَّهمْ يَرجِعُونَ)، (لَعلَّهمْ يُؤْمِنُونَ) أو يتقون. اختاروا ولا يجبرهم.