سؤال حول اختلاف عدد الملائكة المقاتلين في وقعة بدر

وجد البعض أن هناك تناقض في القرآن، حيث وجد أن الملائكة الذين قاتلوا في وقعة بدر مع الصحابة الكرام في سورة الأنفال (1000 ملك) في قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)}. وفي سورة آل عمران (3000 من الملائكة) في وقعة بدر أيضاً، في قوله تعالى: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124)}.
أي هناك تناقض عددي في القرآن ويجب أن لا يكون فيه تناقض، سؤال هام جداً نرجو الإجابة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
ورد في سورة آل عمران: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} انتهى الحديث عن وقعة بدر، والآن بدأ صلى الله عليه وسلم الحديث عن وقعة أحد والتي هو الآن في صددها:
{إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ}: هذه في وقعة أحد لا في وقعة بدر. يساعدونكم بوقعة أحد لتنتصروا عليهم وتحسّوهم بإذنه من أول المعركة، وهذا وقع بأول المعركة لأن الجنة تحت ظلال السيوف وهي الآن تحت ظلال الملائكة الكرام.
انتهى الكلام عن وقعة أحد أيضاً فلا ذكر للثلاثة آلاف من الملائكة في وقعة بدر في هذه السورة، بل كلها تتحدث عن وقعة أحد.
والآن: {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ}: وهذه الآية نزلت في حمراء الأسد وهي بالمرحلة الثانية لوقعة أحد، حين أرسل أبو سفيان أخباراً زائفةً بأنه أتاه مدد جديد بغية تخويف النبي صلى الله عليه وسلم أشجع خلق الله وبثِّ الرعب في صفوف من معه من الصحابة الكرام، ولكنه لم يُفلح بل انقلب السحر على الساحر، لأنه حين لم يخافوا ظنّ أبو سفيان أنهم قد جاءهم مدد عظيم من المدينة المنورة، فألقى الله في قلبه وفي قلوب من معه الرعب، حتى قال: (لو لم تأته إمدادات عظيمة لما ثبت وهو يريد مهاجمتنا)، ففرَّ ومن معه هاربين، والقبائل العربية تشاهد هزيمة أبو سفيان لمسافة تقارب (400كم)، وقالت العرب: إنَّ أبا سفيان ومن معه هاربون مكسورون. عندها لم يكن هناك من يقول أن وقعة أحد هزيمة أبداً، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه كما ورد بالآيات القرآنية التالية:
{الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ..}: أي في القسم الأول من وقعة أحد، حين ظنُّوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قُتل ووقع ما وقع. {..لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ}: هؤلاء الذين شجعوهم بحمراء الأسد لقتال أبي سفيان ومن معه، كأبي بكر وعمر وغيرهما شجعوا الذين استجابوا لله وللرسول من بعدما أصابهم القرح، هؤلاء لهم أجر عظيم.
{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ..}: هذا ما بثه أبو سفيان ليخيف الصحابة، وهم في حمراء الأسد يتابعونه لقتاله، ولكنهم ثبتوا ولم يخافوا وازدادوا إيماناً على إيمانهم. {.. فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ..}: الله هو الذي يُحاسب عنا وقد وعدنا بالنصر حتماً سينصرنا. {..وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}: وكَّلناه كل أمرنا فلا سلطان يعلو عليه جلّ وعلا.
فثلاثة آلاف من الملائكة بوقعة أحد، لذا كان النصر على المشركين سريعاً من بداية المعركة بقوله تعالى: {..إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ..}، والخمسة آلاف وعدهم الله بهم لو عاد أبو سفيان بجيشه ولكنه انهزم {..وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ..} سورة الأحزاب: الآية (25). انتصروا بالرعب لأن الله بهم رؤوف رحيم، وكانوا قد تعبوا بالقسم الأول من معركة أحد، فوفَّر عليهم تعالى الجهد والقتال ونصرهم نصراً عظيماً دون قتال، فكانت وقعة أحد وقعة نصر عظمى، فقد كان صداها على المشركين وعلى القبائل العربية التي شاهدت أبا سفيان وجيشه مهزوماً على طول الطريق من المدينة إلى مكة، وانكشف أمر وقعة أحد بأنها وقعة نصر عظيمة كما قال البوصيري رحمه الله:

وسَلْ حنيناً وسَلْ بدراً وسَلْ أُحُداً             فصول حتفٍ لهم أدهى من الوَخِمِ

ومنذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي كافة العصور كان الناس يعلمون ويقولون: بأن وقعة أحُدٍ نصر عظيم، إلا في عصرنا هذا. وكل إناءٍ بما فيه ينضح، فقد قالوا: أنها هزيمة، إذ بحبهم للدنيا انشلّت لديهم العزيمة، فأصبح بمنظارهم المعكوس النصر هزيمة، والضعف والخوار والهزيمة نصراً.
فكيف يُهزَمون ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم مقاتلاً بروحه وجسمه ونفسه الشريفة؟! وقول الله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ..} سورة الأنفال: الآية (33).
ففي المرحلة الأولى من أحد: سمعوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قُتل، فتوقفوا ثم انتقلوا في المرحلة الثانية لمعركة أحد إلى الهجوم ففرَّ المشركون خاسئين، وللنجاة بأرواحهم الخبيثة طالبين.
فالملائكة كانت في وقعة بدر ألف ملك عدداً، وفي المرحلة الأولى من وقعة أحد ثلاثة آلاف، وبنهاية معركة أحد في حمراء الأسد كان الوعد الإلۤهي خمسة آلاف، صدق الله العظيم ونصر رسوله الكريم، ونحن على ذلك من الشاهدين.
والحمد لله رب العالمين.