{..ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ..} هل المعنى أن الحجاب يستر مفاتن المرأة إلا وجهها لكي تُعرف؟

أعرف عن نفسي أولاً، أنا مسلم من الجزائر مدينة وهران، أود أن أعقّب على قضية الحجاب وبالتحديد في الآية الكريمة لقوله سبحانه: {ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ}.
المعنى هنا والله أعلم أن الحجاب يستر عورة ومفاتن المرأة بحيث يمكن فقط التعرّف عليها، لأن المرأة جزء لا يتجزّأ من المجتمع، فكما هي ربة للبيت، فهي تتعلّم وتجاهد وتعمل، لذلك فمن المنطقي أن تُعرف. فالقول بأنها لا يجب أن تُعرف غير صحيح والله أعلم.

رداً على الرأي الذي أوردت بخصوص موضوع الحجاب، نقول:
لا شك أن النساء نصف المجتمع والرجال النصف الآخر، حتى يكون المجتمع متوازن متكامل، لكن للرجال أعمالهم خارج المنزل، فمن يرعى الشؤون داخل المنزل وشؤون الأطفال والطبخ والغسيل إلى ما هنالك؟
وفي الإسلام للنساء مجال وللرجال مجال آخر.
ويؤكّد رب العالمين على أن يقرن النساء في بيوتهن ولا يتبرّجن خارج دورهن، حتى أن تلقي العلم والمعرفة والدروس حظرها تعالى في الدور نفسها، فقال جل شأنه: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ..} سورة الأحزاب (33).
وقد بيَّن تعالى بأن مجال المرأة داخل بيتها فقط، فإذا خرجن ارتدين الحجاب الساتر للوجه بدلالة الآية الكريمة:
{يا أيها النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ}: فلو كشفن عن وجوههن لما وردت الآية الكريمة بهذه الصيغة {أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ} لأن السافرة عن وجهها معروفة حتماً.
والرجال في القرى يرتدون (الشال أو الحطة) على رؤوسهم ولا تبدو إلا وجوههم، فهل معنى ذلك أنهم لا يُعرفون إلا قليلاً.
لا.. الكاشف على وجهه لا حاجة به إلى لفظ {أدنى أن يعرفن}. وهذا واضح وضوح الشمس.
وليس يفيد في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل.
وليس بعد كلام الخالق حق لأن نستمع لكلام أي مخلوق، إذ لا جدال فيما نصَّ به صريح القرآن.
والأوضح من ذلك أن النساء في كافة البلدان الإسلامية قاطبةً وفي الثلاثة عشرة قرناً المنصرمة كن يسترن وجوههن، وهذه النكتة أن كشف الوجه لم يحدث إلاَّ في القرن العشرين فقط، لا قبله، أي في عهد الاستعمار المطبق الكامل على العالم الإسلامي. ولا شأن للاستعمار في كشف الوجه أو ستره وإنما هو ضعف الإيمان.. وكفى بالله شهيداً وصدق الله العظيم.
ولا ننسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسمح بخروج المرأة حتى إلى المسجد صيانةً لشرفها وعرضها وخشية أن يُتكلَّم بحقِّها، رحم الله امرؤ جبّ المغيبة عن نفسه.
وفي الحديث الشريف أن امرأة وهي صادقة، طلبت الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أعلم أنك تحبين الصلاة معي (أي أنها صادقة في طلبها) وصلاتك في صحن دارك خيرٌ من صلاتك معي، وصلاتك في غرفة داخل غرفة خير من صلاتك في صحن دارك».
فمن أشرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يسمح بخروج النساء كاشفات عن أفتن ما فيهن، أي وجوههن. وهذه من خطوات الشيطان، إذ ستتبع ذلك خطواتٌ في العراء حتى يصبحن كاسيات عاريات مائلات: (للزنى)، مميلات: (لمن ينظر إليهن للزنى)، فالعنوهن: (ابتعدوا عنهن)، لأنهن ملعونات: (أي بعيدات عن الله، إذ اللعن هو البعد).
وقد حرم تعالى اجتماع النساء المؤمنات بالمشركات بسورة النور لقوله تعالى:
{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ..}.
كما حرم عليهن وهن مستورات سترة شاملة كاملة أن يضربن بأرجلهن، أي أن يمشين مشيات الصبايا المغريات، فإذا كان المشي المغري محرم بالقرآن لقوله تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}.
فما بالك إذاً بمخالفة القرآن وكشف الوجه.
الحجاب هو الحجاب، وهو كالحصن، الحصن إذا حدثت فيه ثغرة سقط الحصن. وكذا إذا حدث بالحجاب ثغرة شديدة الإغراء والروعة والأشد من كل فتنة ثانية ألا وهي الوجه، فقد سقط المجتمع الكاشف للوجه في مهاوي الرذيلة والانحطاط، ولا نصر يُرجى له أبداً ما دام سادراً في هذا الغي.