يرجى شرح الآية: سورة النمل الآية: 88
{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}.
هذه الجبال العظيمة المحمولة على ظهر الكرة الأرضية قال تعالى: {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ..} فوظيفتها تثبيت القشرة الأرضية من الانسياح في المحيطات والبحار، هذه الجبال العظيمة الشامخة العالية تراها بعينك جامدة ثابتة لا تتحرك ولا تتزحزح، ولكنها بحقيقتها تدور مع دوران الأرض، فإذا نظرت للأرض من منظار خارجي كالمركبة الفضائية ترى الجبال تمر وتجري مع دوران الأرض بحجمها الهائل العظيم كما تمر السحب المحملة بأطنان من المياه تمر برفق ولطف دون أن تزعج أحداً تحتها، وكذلك الجبال الراسيات الشامخات تمر بلطف دون أن يشعر بها أحد هذا صنع الله اللطيف الودود، أما الإنسان إذا صنع قطعة حديد وجعلها تطير "الطائرة" تصمّ الآذان وتزعج الناس بأزيزها وضجيجها.
علماً أن أصول هذه الجبال راسخة ثابتة في الأرض، والجبل ككل يظهر لنا منه أقل من ربعه، وثلاث أمثاله ونصف يبقى تحت سطح الأرض، فحجم الجبل ككل يبلغ أكبر بكثير مما نراه وباقي جسمه تحت الأرض من الأحجار المتماسكة الصلبة، فكم حجم الجبال هائل، وهي في حقيقتها نفوس فارغة واهية، طلبت منه تعالى هذه الوظيفة لخدمة الإنسان، فألبسها الله ذلك الثوب المهيب وكانت هذه الجبال العظيمة.
إذن: فهذه العظمة ليست منها إنما هي من الممد سبحانه وتعالى يمدها بالقيام والبقاء والعظمة هذا هو صنع الله الذي أتقنها وأبدعها على أكمل وجه وأتم تنظيم، كذلك تنظيم دورانها هناك الجبال الثلجية في القطبين الشمالي والجنوبي تسير في البحار بحجمها الهائل المهيب، ويظهر تسع حجم الجبل الجليدي فوق سطح البحر وثمانية أتساعه تحت البحر، وكما أن هذه الجبال العظيمة المادية طلبت من ربها الوظيفة لخدمة الإنسان فألقى الله عليها هذا الثوب العظيم الذي نراه، وهو في حقيقته من عظمة الله الذي صنعها، كذلك هناك نفوسٌ عظيمة راسخة رسوخ الجبال في محبة الله وعشقه، فهي في ثباتها في حضرة الله كالطود العظيم؛ تلك هي نفوس السادة الأنبياء والمرسلين، وهذه الاستعارات مستخدمة في القرآن الكريم فقال تعالى عن سيدنا داوود:
{إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} سورة ص: الآية (18).
هؤلاء الجبال هم أولوا الإيمان الراسخ القوي يدلون الناس على الله صباحاً عند الفجر ومساءً عند المغرب والعشاء، فوظيفة السادة الأنبياء عليهم السلام تثبيت الناس على الإيمان، كالجبال التي تثبت القشرة الأرضية من الانسياح.
وكذلك كما أن الجبال المادية في بطونها مستودعات المياه العذبة الرقراقة، وتخرج منها الينابيع الصافية لتسقي الناس جميعاً.
كذلك اصطفى الله من عباده أسماهم وأرقاهم وأرسخهم إيماناً، وجعلهم مهبط تجلياته وخزائن رحمته ومنابع أنواره تفيض على الناس بماءٍ غدقٍ، أولئك هم الجبال جبال الإيمان وهؤلاء الذين اصطبغوا من الله بصبغة الكمالات الإلۤهية، فكانوا أجدر وأحق الناس بتحمل التجليات الربانية، فأقبلوا على الله إقبالاً عظيماً حتى سنَّمهم تعالى هذه الوظيفة، قال تعالى عن سيدنا موسى {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} سورة طه: الآية (41).
إذن: هذه العظمة أيضاً مشتقة من حضرة الله وهي من صنع الإلۤه عز وجل.
نفوس الأنبياء سارية وتطوي الكمالات طياً، أما أجسامهم فهي كباقي كل الناس {..إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ..} سورة فصلت: الآية (6). بالجسم أما بحقيقتهم السامية فنفوس الأنبياء سارية كالسحب وعارجة في الإقبال على ربها.