تأويل الآية (219) من سورة الشعراء

السلام عليكم ما تأويل قوله تعالى: {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} الشعراء 219 .
وشكراً

يقول تعالى في كتابه العزيز في سورة الشعراء:
{الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ}: فحينما يقوم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيام الليل ويقوم معه بالرابطة القلبية طائفة من المؤمنين.
{وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}: والآن لنأتي لشرح كلمة الساجدين:
وهم الذين فكّروا في بدايتهم ورأوها، حتى تصاغرت نفوسهم وتنازلوا عن كبرهم، ورأوا أن العظمة كلها لله تعالى وأن الفضل والبر لا يأتي إلا منه، حيث أنهم كانوا قبل سجودهم في انقطاع عن ربهم وفي حجاب عن نور الله، وهذا الانقطاع والعمى سببه الكبر والشهوات، فعندما تخلّوا عن شهواتهم الغالية على نفوسهم وضحّوا بها لرضاء الله، وهي التي كانت حجابهم عن الله وجناته، وعندما رأوا بدايتهم، أي عادوا إلى ربهم وزال الحجاب بينهم وبين الله فعادوا إلى خلقهم الأول وتذكّروا عالم الأزل.
(ابن آدم اطلبني تجدني فإن وجدتني وجدت كل شيء) فعندما شاهدوا الحضرة الإلۤهية، أي أسماء الله الحسنى، عندها تذكّروا الأزل وتذكّروا أنهم كانوا في الجنة، والآن رجعوا إلى الجنة هؤلاء الساجدين بعد أن غدوا في الجنة {..كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ، خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} سورة الكهف: الآية (107-108). لذلك قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه ولنا لأن وظيفته صلى الله عليه وسلم باقية: (أعينوني على أنفسكم بكثرة السجود)، (وأقرب ما يكون العبد إلى ربه ساجداً). فكلما تنازلوا عن كبرهم وشاهدوا بدايتهم "أي بالأزل"، أي عادوا إلى جنتهم، كلما رقوا بالإقبال على الله لجنات أعلى وأعلى.
إذن: فكل من ضحّى بالدنيا لرضاء الله فقد رفع الغطاء عن وجهه والتفت إلى ربه، فيأتي دور الرسول صلى الله عليه وسلم لإنارته برؤية الحياة الأزلية، أي الجنة التي كان بها، ويزيده جنات وجنات. فنفسه الشريفة صلى الله عليه وسلم دائماً تتقلّب لكل ساجدٍ تنازل عن شهواته لرضاء ربه، وبالتالي وهذه الشهوات كانت سبب عماه وتنازل عنها، فقد رجع إلى نوره وضيائه الذي كان معه بالأزل، والرسول صلى الله عليه وسلم هو سفير الله فهو يكشف له عن جنات أعلى وأعلى.
فكن من الساجدين يستشفع بك محمد الأمين إلى الله، ويعرج بك بجنات ربك، وهذه الصحبة النفسية مع الرسول هي حقيقة الصلاة والشفاعة (والصلاة معراج المؤمن).
أما المتكبر غير الساجد هذا لا يلتفت لا إلى الله ولا إلى رسوله، أما إن سعى للإيمان صادقاً، غدا من أهل التقوى، أي من الساجدين، وكل تقي ساجد، وكل ساجد تقي مستنير. هؤلاء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل زمان ومكان.
فالكون وآياته والموت وتأثيراته، جميع ذلك يقود طالب الإيمان ويوصله إلى الإيمان ويوصله إلى الإلۤه، فهنا يأتي دور الرسول لينقله إلى أسماء الله الحسنى وجناته العلى.