السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أريد تأويل الآية: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 17].
وأطلب من حضرتكم توضيح من هم الثمانية؟
هل هم المعنيين بحمل رسالات الله سبحانه وتعالى إن كان التأويل بهذا المعنى؟
وجزاكم الله كل خير.
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}: عطاءات الله بالدنيا تأتي بتجلِّي الإلۤه على السموات السبع وعلى الماء، وهذه لا نهاية ولا حد لها، لأنها تتضمن أصناف المأكولات كلِّها والخيرات كلِّها، وكلُّ المأكولات والمشروبات كلُّها من الله. فإن كانت من رسله تأتي كلُّها خير بخير وكمال بكمال ونفع ورقي لأن كل امرئٍ ينالها ويشهد أنها من حضرة الله، فيزداد إقباله عليه تعالى وينال هذه الخيرات بأطيب وأشهى مما كانت عليه في الدنيا وهي التي تتكلم عنها الآية بأنها تجري من تحت هذا التجلي الأنهار الشمولية لكل ما في هذه الدنيا من خيرات، ولكنها مرفقة أيضاً بالجنات وتنتقل فيها من حسن لأحسن ومن عالي لأعلى ومن فضل لأكبر وأوسع وأشمل، ودوماً في مكاسب تتلهف النفس إليها، وتنشغف بها وتملأ إناءها سروراً وسعادةً ومع الملذات التي كانت أيضاً موجودةً بالدنيا لكنها هنا بطريقٍ أعلى.
في الدنيا كان المرء يتناول هذه الملذات التي يخلقها الله تعالى من وراء حجاب، فالنفس بالصدر والجسم حجابها، ونفوس المأكولات والمشروبات أيضاً محاطة بمادتها، فهناك حجابان "في الدنيا" يخفّفان ويقلّلان من قيمة هذه الملذات، فينال المرء منها معشار ما يناله في الآخرة ذلك لأن المؤمن في الآخرة قد زال الحجاب الجسدي وبقيت النفس مجردة تتنعم بنفوس المأكولات والمشروبات المجردة أيضاً مباشرة دون حاجز أو حجاب، لذلك حتى الأكل والشرب والطعام هناك ألذُّ وأطيب وأطرب من نفس هذه المأكولات في الدنيا، وبذلك كان: {..أُكلها دائمٌ وظلها..}. هذا هو العرش: التجلّي الإلۤهي على النفوس، فتُنال بلذائذ أعظم، فهي يُضاف إليها الحياة الرغد أي الطرب النفسي بالتجلّي الإلۤهي والجنات العليَّة، كلُّها تُنال عن طريق الأنبياء والرسل، وبالتسلسل نحو الأعلى، فهؤلاء الرسل الثمانية عاليهم النبي الأمي ﷺ وعليهم أجمعين، فالروائح الزكية والمشاهد والحور العين وغيرها كلها إنما تتنعم بها على حسب أعمالك التي قمت بها في دنياك، وبصورة متوافقة مع ما أنت فيه من القرب والإقبال على الله، والمنعكس نعيمه بالتجلِّي الإلۤهي عن طريق هؤلاء الرسل والأنبياء وما فيهم من قربٍ على الله، ينعكس على صنوف الأطعمة والفواكه فهذه اللذائذ التي عرفتها وذقتها في الدنيا تبقى جارية متواردة على استمرار بمسرات لا يكدر عليهم صفوها مكدر
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فارحم الأنــصار والمهاجرة
أي: كلُّ من نصر الحق وهجر المنكر وأهله على الدوام، وحتى يوم البعث. أما بالنسبة للرسل الكرام صلوات الله عليهم المعنيين بهذه الآية الكريمة؛ وهم حملة العرش فهم الرسل الذين أتوا بالصحف من عنده سبحانه وتعالى، والرسل الذين أنزل عليهم كتب سماوية من لدنه سبحانه وتعالى وهم: سيدنا آدم عليه السلام أبو البشرية أتى بالصحف للمكلّفين ليسيروا على شرعة الله. ومن بعده ابنه سيدنا شيث عليه السلام أيضاً أتى بصحف فيها شرائع للبشرية بعد أن أحدثتْ البشرية أموراً لم تكن موجودة من قبل على وجه البسيطة. كالقتل مثلاً فصار من الضروري الإشارة إلى قوانينها وقِصاصها "هذه الأشياء المستحدثة". وسيدنا نوح عليه السلام الأب الثاني للبشرية أيضاً حمل صحفاً للبشرية، وسيدنا إبراهيم عليه السلام أيضاً كان حاملاً للصحف وهو أبو الأنبياء الكرام عليهم السلام وحملة الكتب السماوية الأربعة. سيدنا موسى عليه السلام وسيدنا داوود عليه السلام وسيدنا عيسى عليه السلام وسيدنا محمد ﷺ.