يقول الله تعالى: {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ..} سورة الشعراء.
نريد شرح الآية مع ملاحظة أن الرسول كان له شاعر يمدحه هو حسان بن ثابت؟
الأخ الفاضل حفظه المولى الكريم ... آمين
يقول أمير الشعراء البحتري في العصور الماضية «أعذب الشعر أكذَبُهْ»، وبما أن كلمة (الشعر) مأخوذة من الشعور والعواطف، لا لغة المنطق والتفكير والحجة، وبما أنهم بعد ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم مشوا بالإيمان والتفكير والحجج القاطعة وتخلّوا عن لغة المشاعر والأوهام والتخيلات السراب والتي لا وجود لها بعالم الواقع. وعلى سبيل المثال كانوا يتكلمون لغة الكذب لإرضاء الملوك وأولي الأمر ولأخذ المال منهم فيمنحونهم أوصافاً لا وجود لها مثل: (أنت بحر أنت بدر، أنت شمس..) وهل هو بحر أو بدر حقاً؟!
إذاً يصفونهم بما ليس فيهم ليأخذوا أعطياتهم ومثالاً: ما أورده المتنبي بحق أحد الأمراء قوله:
أمُعَفِّرَ الليثِ الهزَبْرِ بسَوْطِهِ لِمَنِ ادْخَرْتَ الصَّارِمَ المَصْقُولا
وأن هذا الأسد حين يشرب من نهر الأردن ورد الفرات زئيره والنيل. أي أن صوته ورد من الأردن إلى الفرات بشمال حلب إلى النيل في مصر، وهذا كله لا يحصل ولا أصل له ولا يصل صوته إلا لبضع كيلو مترات.
وهل يمكن للسوط "كرباج" أن يقتل أسداً، "مستحيل" فالحقيقة كما قال البحتري كله كذب بكذب: «أعذب الشعر أكذبُه».
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بالصدق وصدَّق به هو وصحبه الكرام والله علَّمه القرآن، ويقول تعالى أنه لم يعلمه الشعر، أي الكذب وما ينبغي له. لأنه الصادق الوعد الأمين ولم ينطق عن الهوى، والشعر كله هوى في هوى، زخرف القول غروراً.
وأما الصحابي الجليل شاعر رسول الله حسان بن ثابت فقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنافحة عن الدين الإسلام "بلسان القوم الكذابين"، لأن الكافرين الكذابين لا يفهمون إلا بالكذب، والرسول قد أمره الله تعالى أن يخاطب الناس على قدر عقولهم، فبحال الاضطرار والحرب الكلامية خاطبهم حسان بن ثابت رضي الله عنه بلسانهم الكاذب وبحسب ما يفهمون ونزل إلى مستوى عقولهم، وذلك في البداية بداية الإسلام ونهوضه، ثم انقضى على الشعر منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعهد الصدارة حتى بعهد الأمويين الفاتحين للعالم لم يعد للشعر تقريباً وجود، إذ ظهر الحق وأزهق الباطل والكذب والدجل، فحسان بن ثابت رضي الله عنه لضرورة حربية كلامية ناجزهم بلغتهم، وأقام عليهم الحجة لنصرة الدين، فلما ساد الإسلام وسيطر لم يبق عملياً للشعر وجود.
وبقية الآية: {..إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ..}: أي كانوا شعراء في الجاهلية ومن ثم تركوا الشعر وتابوا إلى الله وآمنوا ولم يعودوا للشعر وللجاهلية، التوبة النصوح تمحو الخطايا.