السلام عليكم: سيدي الفاضل لقد قرأت كتاب السبع المثاني للعلامة محمد أمين شيخو (قُدّس سره) ومما ذُكر فيه:
أن الفاتحة هي خطاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم للمصلي يتلو عليه كلام الله قائلا: {بسم الله الرحمن الرحيم - الحمد لله رب العالمين - الرحمن الرحيم...}.
وهذا البيان العلي جديد أُعجبت به كثيراً ولم أسمع به من قبل أو أقرأه في كتب السابقين، والآن لدي السؤال الآتي: ورد في سورة الكهف: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} هنا في هذه الآية: من يقول الحمد لله؟ هل هو الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً.. ومن هو عبده؟
أرجو منكم تأويل هذه الآية وربطها بالآيات التي بعدها. ولماذا تكررت كلمة (ينذر) مرتين؟
كلمة فلعلك باخع نفسك (الآية6) وردت بضمير الحاضر (كاف الخطاب) هل هو سيدنا محمد؟ و(عبده) وردت بالضمير {الهاء} المفرد الغائب.
أرجو مساعدتي في تأويل الآيات الستة الأولى من هذه السورة وكم أنا متلهف... وشكراً لكم.
يقول سبحانه وتعالى في سورة الكهف: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ..} : أي ذكِّر نفسك أيها الإنسان وأطلعها على من يستحق الحمد والثناء والامتنان.
وذكّرها بفضله وإحسانه وأرِها أن الحمد لله وحده، والإلۤه الذي كل ما في الكون عائد تسييره إليه، نرى الآن في الكون هذا يضرب هذا، هذا يتعدى على هذا. فكيف الحمد لله؟!
فالتعدي قائم والظلم قائم والإلۤه موجود، فلماذا لا يمنع الظالم أن يتسلَّط على المظلوم، فكيف نحمده ونرضى بتسييره والظلم بين الناس يسري فكيف نحمده؟! وهو مسيّرهم وهم بيده. إذن: كلّه منه ولكن بالحقيقة لا ظلم بالكون أبداً.
لقد أعطاك تعالى الإطلاق والاختيار تختار لنفسك لا لغيرك، إن اخترت ضرب امرئ، لا يُمكّنك منه مالم يكن مستحقاً، ولا أن تسرق ما لم يكن معتدياً.
أعطاك الاختيار لكنّه يُحمد، إذ أنه أنزل الكتاب به يريك طريق السعادة وطريق الشقاوة، إن اخترت السعادة امش على كلامي، أي: كلام العلّامة الإنساني محمد أمين شيخو كما مبيّن في كافة كتبه العليّة {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ..} سورة النساء: الآية (80). وإن اخترت الشقاوة سرت مع الشيطان. فالله يريك طريق السعادة وما ينتج عنه. الحمد لله على عنايته ورحمته وتسييره، فعلى الإنسان أن يفكر بهذه الكلمة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ..}.
{..الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ..} : وعبده هنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من ائتمر بأمر خالقه واستمر على طاعته فلا يخالفه في أمر من أوامره، لذا كان عبد الله وأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم هي من أوامر الله الذي أمره بها، ونطق بلسانه (فاللسان بالله ينطق) فبحبه صلى الله عليه وسلم لله وصدقه مع الله ورؤيته ما في أوامره من خيرات سلَّم نفسه إليه بإرادته فتكلم الله تعالى بلسانه، وبالحقيقة ليس الرسول هو الذي يتكلم بل الله هو الذي يكلّمُكَ من خلاله.
لذا غدا صلى الله عليه وسلم حَريصاً على السير بأمر الله، وأول العابدين لله عز وجل والخاضعين لأوامره على رضى وطوع، بل ورغبة وهذا فرق معنى العبادة عن الطاعة. فهو لم يسجد لصنم في حياته، ولم يشرب الخمر، ولم يصافح امرأة قط، وبذلك استحق أن يتنزل على قلبه الشريف الكتاب. فكتب الحق في نفسه صلى الله عليه وسلم.
{..وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا}: الطريق المعوج يخرجك عن طريق الحق بدل أن يكسب المال بالحلال يكسبه بالطرق المعوجة، أما هذا الكتاب مستقيم موصل للسعادة وهو أقرب طريق موصل لحضرة الله وللسعادة وللجنان. {قَيِّماً..}: ذو قيمة عالية. وقَيِّماً: ينهض بالإنسان للسمو وللعلو لأنه كلام الكامل جل شأنه وجلاله، وينهض بك فيجعلك كاملاً عندها تغدو أهلاً للهداية، وقيّماً على إخوانك الضالين المضلين فتردهم إلى جادة الصواب، وسبل السلام فإلى صراط العزيز الحميد الله.
{..لِيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِن لَّدُنْهُ..}: من لدنه: من لدن ذلك الإنسان، لو لم يعمل ما أصابه ما أصابه، فالإنسان المستقيم الطاهر لا سلطان لأحد عليه.
لينذر الإنسان عود عمله الشرير عليه، لأنه كان هو سبب هذا العمل.
إذن: بأساً شديداً أصله من ذلك الإنسان. لو لم يعتدِ على غيره لما اعتدى عليه أحد.
أعمالكم عمالكم، وكما تكونوا يولّى عليكم، فأعمالكم تكالُ عليكم ثم تردُّ إليكم، فمن وجد خيراً فليحمد الله لأنه دلَّكم وأراكم بهذا الكتاب، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه، فالله له الأسماء الحسنى والخير منه والشر من أنفسنا، فهو بيده الخير.
{..وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ..}: نعيم متواصل. {..الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ..}: الذين اختاروا الخيرات. {..أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً، مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً}: إلى ما شاء الله وإلى ما لا نهاية له.
- أما عن سؤالك عن تكرار كلمة ينذر:
فالأولى: {..لِيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِن لَّدُنْهُ..}: هذه عامة لكل من يشذ عن الحق فهي تفيد كل إنسان عاصي مخالف لحدود ربه.
والثانية: {وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً}: هؤلاء الذين قالوا اتّخذ الله ولداً، هؤلاء المشركين الذين جعلوا المخلوق شريكاً مع الله.
إذاً: يُنذر الأولى تفيد العاصين عامة، وينذر الثانية تخص المشركين الذين جعلوا مع الله إلۤهاً شريكاً:
{مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ..}: مجرَّد قول. {..وَلَا لِآبَائِهِمْ..}: من قبلهم أيضاً ما فكّروا. {..كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ..}: في أذاها عليهم، كبيرة في نتائجها إذ حَوّلته عن طريق السعادة إلى الشقاء. من ينسب الفعل لغير الله هذا هو الشرك وكل امرئ ينال حقّه، وكما قال سيدنا عيسى عليه السلام: {..إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ..} سورة المائدة: الآية (72). وكما قال سيدنا لقمان صلى الله عليه وسلم: {..إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} سورة لقمان: الآية (13).
فالرسول صلى الله عليه وسلم تأثّر رحمة منه وحناناً عليهم، إذ أن مصيرهم للهلاك ولعدم استجابتهم للهدى وإصرارهم على كلمة الشرك، لذا الله يخاطب رسوله ويخفف عنه ما ألَمَّ به من أَلَمٍ وحزن.
{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ..}: متأثّر من عدم إيمانهم بك. {..إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً}: رجعت متأثراً على ما قابلوك به من المعارضة بالطائف.