تأويل الآيات: (1ـ6) من سورة الطور
قال الله تعالى: {وَالطُّورِ(1) وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ(2) فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ(3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ(4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ}.
1- هل الطور كما تقول التفاسير هو الجبل الذي كلَّم الله عليه سيدنا موسى عليه السلام.
2- وهل معنى كلمة الطور في آيات أخرى هو نفس المعنى مثل: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ}.
{وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ} سورة المؤمنون (20).
{وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً} سورة مريم (52).
وآية: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ..} سورة القصص (46).
{..وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ..} سورة البقرة (63).
3- يرجى شرح الآيات التالية وما معنى آية: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} هل هو المشتعل كما يقولون؟ وما ربط الآيات ببعضها؟
سيدي الكريم جزاكم الله خيراً وجزى الله عن أمة سيدنا محمد العلامة العظيم محمد أمين شيخو خير الجزاء.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
قال تعالى: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ} سورة المؤمنون (20).
من المعروف أن هناك صحراء سيناء وفيها جبل الطور العالي.
والطور: هو العالي، وذلك الجبل لعلوه سمِّي جبل الطور، وهو مشهور بإنبات شجرة الزيتون عليه التي تنبت بالدهن المغذي الجامع لصنوف الغذاء وصبغٍ للآكلين لدسمه، فالزيتون بزيته النافع غذاء كامل يستطيع الإنسان بحال الضرورة أو الفقر الاقتصار بالتغذية عليه لفترات طويلة وسنوات عديدة، وهذه الشجرة عُرِفَت منذ القدم بانتشارها حول حوض البحر الأبيض المتوسط وفي جبل الطور في سيناء.
فالطور عموماً يعني: العلو والرفعة والسمو، فإذا تحدث الناس عن جود شخص ما وأعطياته، فيقولون: فلان طوره عالٍ طوره الكرم، أي الصفة العالية والنامية فيه هي صفة الكرم.
وعلى ذلك يكون معنى الآية في سورة التين {وَطُورِ سِينِينَ}: أي الحكمة العالية والقدرة العظيمة والنعمة والفضل والمنة الصادرة عن الخالق جلَّ وعلا، تدلُّ على طور، أي على مصدر تلك الحكمة التي خَلقَتْ ومنبع القدرة التي أوجدت والتي تفيض بهذا الفضل الواسع والنعمة السابغة بكلمة: {وَطُورِ سِينِينَ}: أي هذا صادر عن الذات العلية الكريمة وشأنها العالي البالغ في العظمة والرحمة فمن الطور الإلۤهي الرحمة الإلۤهية الشاملة التي تسبح فيها سائر المخلوقات، وهكذا لكلمة الطور معانٍ حسب ورودها بالآيات.
ففي سورة البقرة الآية (63): {..وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ..} الطور: أي البيان العالي
"التوراة" وفيه الكلام العالي السامي بالبشرية لعليين، الحديث موجَّه لبني إسرائيل.
وفي سورة مريم الآية (52): {وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً}:
لمَّا صار سيدنا موسى بهذا الكمال والحب والإخلاص لربه: {وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ..}: التوراة وفيه التجلي العالي، أعطيناه هذا بسبب إقباله علينا. أعطيناه من جانب العلم الإلۤهي العالي "التوراة".
{..الْأَيْمَنِ..}: كله خيرات ويمن وبركات.
والآية في سورة القصص (46): {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ..}: عندما كلَّمنا موسى وناجيناه ناداه ربُّه من مصدرٍ عالٍ ونزَّل عليه التوراة، "البيان العالي" كلامه تعالى.
والآيات في سورة الطور:
1- {وَالطُّورِ}: هو التجلي الإلۤهي العالي الذي يكون به نتاج الثمرات والمخلوقات جميعاً، وهنا دعوة للتفكير بهذا الخلق والتطور من حال لحال آخر، كما الزهرة والنبتة والإنسان منذ أن كان نطفة فعلقة فمضغة فلحماً وعظاماً فإنساناً سوياً.
كل هذا يحدث من الطور أي من تلك الصفة الإلۤهية الكاملة والشأن الإلۤهي الذي يتجلّاه الله بأسمائه الحسنى على القلوب والأجساد والكائنات، وأعظم تجلٍ وأعلاه على رسول الله، وهذا كله بالحق والاستحقاق لذلك أنزل عليه صلى الله عليه وسلم هذا التشريع الإلۤهي.
فالطور هنا تعني ذلك التشريع الإلۤهي العالي الذي نزل على قلب سيد المرسلين.
2- {وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ}: في نفس المصطفى صلى الله عليه وسلم، مسطور بنفسه الشريفة أسماء الله الحسنى وحقائق القرآن وألفاظه سطرت في المصحف ونشرت على أمم الأرض بالمصاحف.
فكل من فكر ببيانه صلى الله عليه وسلم وعلومه وكمالاته وأخلاقه الحميدة، أو فكَّر بأعماله الكبرى التي لا يدانيه فيها إنسان والتفت نحوه صلى الله عليه وسلم بالتقدير والتبجيل والإجلال، دخل بمعيته على الله فسما وعلا.
3- "كانوا قديماً يكتبون على رقائق كرق الغزال مثلاً." {فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ}: هذا التجلي الإلۤهي العظيم منشور بلطف ورقة وعطف وحنان على الخلائق جميعها، وبالصلاة للمؤمنين المصلين.
فإن التفتُّم نحوه بالتعظيم والتوقير وفكرتم به صلى الله عليه وسلم، انتشر عليكم هذا التجلّي من الله بواسطته برقة ولطف دون شعور منكم، وأدخلكم على الحضرة الإلۤهية وعرج بكم بلطف.
وبعد أن ذكر لنا تعالى طريق التقوى والفوز بالمكرمات، وهو الطريق الأولى وأن نفكر بكلام الله المنزل على رسوله، وبالطور: أي التجلّي الإلۤهي والتشريع القرآني، فهذا الطريق الأولى للوصول، ذكر لنا تعالى بعدها طريق ثانية: وهي طريق التفكير بالكون وآياته فقال تعالى:
4- {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ}: الكون معمور بكل وسائل الحياة. بيت البشر فيه الماء والهواء والكلأ وكل ما في الكون مسخر للإنسان، أما باقي الكواكب فلا حياة عليها وهي معامل للأرض، فهل فكرت بها يا إنسان؟!
5- {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ}: هذه السماء الواسعة العظمى ألا تفكِّر بها لترى فضل الله عليك؟!
فكِّر بهذه النجوم والكواكب كما فكَّر أبونا إبراهيم فآمن ونال هذا المقام، وبالشمس وبالقمر والسحب والأمطار والرياح وتشكلاتها، وكل ذلك من أجلك وخُلقتْ لك كرماً وفضلاً من ربك، أفلا تنظر إليه كم يحبك؟! ألا يجدر بك أن تلتفت إليه بالمحبة؟! «أحبوا الله لما يغزوكم به من نعمه» حديث شريف.
6- {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ}: المثبت على الأرض فلا ينحدر وذلك بتأثير ضغط النجوم على الأرض وعلى المياه التي فيه تجعله لا يجور ولا يخرج من حفره، تزجره عن التجاوز والطغيان والجور بهذا الضغط غير المرئي فلو طفت البحار على اليابسة ماذا يحدث؟
يدُ من تسيطر على البحار تمسكها فلا تجور ولا تخرج عن حفرها رغم كروية الأرض؟ ما أعظم يده تعالى وأرحمها؟!
هذا هو معنى {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} ولا علاقة للمشتعل بكلمة (مسجور)، فالماء تطفىء النار فكيف البحر المليء بالمياه ويشتعل؟!