بدأت المسير بقوة وبعد مدة بدأ الضعف والتقصير وإنني أتمنى العودة لمسيرتي وهمتي كيف؟

بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي المربي الأستاذ عبد القادر السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جزاك الله عنا وعن البشرية ما أنت أهله، سيدي الفاضل قرأت كتب العلّامة محمد أمين شيخو قَدّس الله سره ولم يسعني بعد هذا البيان والحقائق العظيمة إلا اتباع الحق الذي فيها، وفي بداية الأمر كانت همّتي قوية وقد أعانني الله بفضل هذا الحق الذي لا يقبل الجدل والذي لم تستطع نفسي إلا أن تعترف بخزيها وخطئها أمام عظمته وسموه أن أطبق ما استطعت منه من حجاب وأمور كثيرة كان لها تقبل حسن في البيت والبعد عما يفعل التائهون ويغشّون أنفسهم بأنه ليس حرام، وكانت سعادتي عظيمة بهذا الشيء ولكن مع الأسف بعد مرور بضع سنين بدأ الضعف والتقصير يغزوني وصار الشيطان يقنطني بأشياء ما كانت تخطر لي وما كنت أكترث بها في بداية سيري ولكنها الآن تضايقني كثيراً جداً، مثل أني كنت منحرف أتخبط في أهوائي وأفعل كذا وكذا ولم يقتصر هذا الأمر علي بل انعكس على بيتي إذ عندما أتذكّر كيف كنا قبل هذا لا حجاب ولا التزام وما إلى ذلك أمقت نفسي وأمقت هذا الماضي وأتمنى لو أن هذا لم يكن.
سيدي الفاضل ما السبيل للخلاص من هذا إذ أنه يشوّش تفكيري ويشغلني ويعكر حياتي، كيف أقنع نفسي؟ أريد أن أعود إلى همّتي وسعيي في طريق الإيمان.
أدام الله نفعكم للخلق ولكم الشكر.

أولاً: لنا أن نستفيد من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد ومن الاثنين أبعد وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) فالجليس الصالح خيرٌ من الوحدة، فابحث عن الصالحين وصاحبهم (إذ إن المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يُخالل)، فابحث عن الصادقين لكي تتشرّب بصحبتهم الصدق وتواظب على المثابرة في طريق الإيمان (وتعلّموا اليقين من مجالسة أهل اليقين).
إذن: فتّش عن أهل الصدق واليقين وامشِ معهم لتتشرب منهم الصدق والإيمان، ولكي تبقى من أهل الإيمان، و(الصاحب ساحب) فإن صاحبت أهل الإيمان والصدق تنسحب معهم إلى الإيمان ولا تسحبك تيارات المجتمع المهلكة، و(قل لي من تصاحب أقل لك من أنت) فإن صاحبت أهل الهوى فإن ذلك يترك أثراً سيِّئاً في النفس، وتنتقل لك عللهم وأمراضهم من حيث لا تدري ولا تشعر بذلك، وتظنُّ أن منشأ هذه الوساوس والخواطر التي تؤرقك هي منك، وهي بالحقيقة من مصاحبتك لأهل الدنيا تنتقل منهم إليك (الطبع سرّاق فجانبوا أهل البدع)، فالنفوس تتأثر ببعضها وتتشرّب بشكل لا شعوري أثناء المجالسة والاختلاط (فمجالسة أهل الهوى منساة للإيمان محضرة للشيطان).
والعكس صحيح مجالسة أهل الإيمان واليقين تقويك على مواجهة الأهواء المهلكة ووساوس الشيطان، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} سورة التوبة: الآية (119).
فهذا يبعث في نفسك الصدق والعزيمة على مواصلة السير في طريق الإيمان بصدق دون ضعف أو فتور.
ثانياً: فكّر وتذكر سلوكك القديم في بداية سيرك بالحق ثمَّ ارجع إلى نفس السلوك القوي الذي سلكته في البداية، وكرره حتى تعود إلى نشاطك الإيماني القويم تزدد حباً للحق وأهله، والله لا يَتِرَكَ عملك هذا بل سيُطمئن بالك ويدخلك مداخل عالية وتجتاز بسلام هذه الأزمة القلبية وترفل بالصحة النفسية العليّة.
ثالثاً: لا تظننّ أن هذه الوساوس إلا لخير، لأن أحد الصحب الكرام جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا له هذه الوساوس، فأجابه صلى الله عليه وسلم:
(بَخٍ بَخٍ فذلك الإيمان).
أي أن الإيمان الفكري قد بدأ يغزو قلبه ليغدو إيماناً شهودياً، ولكن الشيطان الحسود خشي أن لا يكون له عليه بعدها سلطان أبداً، فبدأ يغزوه ليحزنه ولعله وحاشا لله أن يردّه ويضلله عن الحق، ولكن المؤمن يتنبه وينشط لسلوك الحق بقوة أكبر ويخزي الشيطان الخبيث الخفي بوساوسه المهلكة {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} سورة الأعراف: الآية (201).
إذن: اسلك طريق الحق بالحق مع أهل الحق لكي تنهض وتدل أهلك ومن هم في سيرك الصحيح إلى الحق وتتشرب الحق.