الإرادة ضعيفة... وتكرار الخطأ من بعد التوبة!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
فسؤالي إذا كان الإنسان كل مرة يتوب عن خطأه وبعد حين يعود ويعيد نفس الخطأ ماذا يفعل؟ إذا كانت إرادته ضعيفة كيف يقوم بتقوية إرادته على نفسه؟ وشكراً.
لأنني أشعر بين الحين والآخر أن الكذب على النفس يولد فيها عدم رضاة الخالق عنها وبالتالي الإحساس بأن ليس لها توبة لأن الخطأ نفسه يتكرّر (أشعر بأن الله لن يغفر ذنوبي على أد ما تبت ورجعت بكلامي أرجو الجواب الشافي).

(لا يزال العبد يصدق ويصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً): فعليك يا أخي مواصلة الطريق وعدم اليأس والقنوط فلطالما أن نفسك تعذّبك إذا صدر منك هفوة أو خطأ وتحس بتلك الأمور وتلومك على تقصيرك فهذا دليل على الخير الكبير فيها وأن فطرة الكمال لا تزال مستيقظة فيها، فنفسك لوّامة وهذه خصلة حسنة وعظيمة. فما عليك إلا أن تقودها وتسعى بها لأن تكون عن المنكر صوّامة، وطالما أنها تحس بالأخطاء وتندم على التفريط إذن فهي تتطلب الشفاء وتتجه نحوه، فساعدها بأن تبحث عن الأسباب التي تقودك نحو تلك الأخطاء فتزيلها وتترك طرق الغواية وتدخل في دائرة الاستقامة.
فلو نكث الإنسان آلاف المرات وتاب بعدها لوجد الله تواباً رحيماً، أي متى رجع الإنسان لربه وتاب يعود الله عليه بالغفران والرحمة ويؤوب عليه للتو... فيتوب لله متاباً لا رجعة بعدها.

وتسأل: ماذا يفعل المرء حتى يقوي إرادته؟ فنقول:
التفكير الجدي بالموت وأنه لابدّ آتٍ لا محالة، فأين السابقين من الملوك والأغنياء والرؤساء والسلاطين والأمراء حتى الأنبياء والمرسلين وسائر العظام أما ماتوا وكأنهم ما كانوا، وأنت أليس لك نهاية؟ فتلاقي ربك بالمعصية، فما نهايتك؟ أليس الموت كأس جميع الناس تسقى منه، فإذا مات الإنسان وهو في غفلة وسهوة ولم يحقق ما خُلق من أجله فما حاله وإلى أين مآله فإذا فكر الإنسان مثل هذا التفكير وتابع وواصل المسير تخاف النفس عندها سوء المصير وتشعر بقرب ساعة الرحيل، وتخشى الخسارة الأبدية والآخرة والحساب ويتولد بذلك لديها صدق وعزيمة، فإن يقنت بالموت عندها تعاف النفس شهواتها وتخاف وتتطلب النجاة وتجد أن لا ملجأ من الله إلا إليه فتلتفت نحو الإلۤه بصدق وتتطلب الخلاص والنجاة وتتطلب الإيمان الحق فتجتمع النفس مع الفكر ليرسم لها مخططاً للخلاص والنجاة.

إذاً لابدَّ من الإيمان مجدداً وإن كان المرء مؤمناً لابدّ له من معاودة الإيمان من جديد وترسيخه في النفس وذلك بتطبيق القوانين في السعي للوصول للإيمان كما أمر تعالى: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} سورة الأحزاب: الآية (42): وذلك بأن يضع الإنسان لنفسه أوقاتاً يختلي فيها بينه وبين ربه، ويترك الناس جانباً ويبقى مع رب الناس، ويفكر بالآيات الكونية كما فعل أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام فيترك الناس طراً ويختلي في أماكن بعيدة عنهم ليؤمن فلا يشغله شاغل إلا الذي هو قاصده، ولا بأس من النوم لفترة وجيزة ثمّ يستيقظ بعدها وهو في صفاء لا يشغله شاغل ويعكر صفوه معكر وبذا تتقطع جميع الروابط المعيقة وتسأله نفسه لِمَ أتيت بي إلى هنا؟ عندها يفكر بالآيات الكونية كما فكر سيدنا إبراهيم حتى يتوصل للإيمان اليقيني الذي ما بعده ريب أو شك.
وبهذه الخلوات وهذه الساعات يصل الإنسان للإيمان وما فيه من غذاء للنفس وتقوية لمواجهة الشهوات المحرمة، ويجد أن الله مطّلع عليه بكل ثانية وكل لفتة وحركة وسكنة ودائماً معه بل ويمده بالسمع والبصر والحياة لذا يخشع قلبه وإذا خشع قلب المرء خشعت جوارحه.

وحتى تبلغ ما قدمناه عليك أولاً:
بهجر رفاق السوء بالكلية فلا يكفي أن يترك الإنسان المنكر بل عليه أن يترك المنكر وأهله لأن:
(الصاحب ساحب).
(جانبوا أهل البدع فإن الطبع سراق).
(قل لي من تصاحب أقل لك من أنت).
(مجالسة أهل الهوى منساة للرب. محضرة للشيطان).
وهذا ما فيه ضعف النفس ودخول الشيطان عليها فعلى الإنسان أن يهجر رفاق السوء بالكلية هجراً جميلاً ويصاحب أهل الصدق والصلاح: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} سورة التوبة: الآية (119).

وتقول: أنك تشعر بعدم رضاء الله عنك وبالتالي ليس لك توبة لأن الخطأ نفسه يتكرر.
نقول: إياك والاستكانة واليأس أو الظن السيّئ فالله دائماً وأبداً يفتح أبواب التوبة للإنسان وينتظر منه التوبة (وإن الله لا يملُّ حتى تملوا)، فإذا يئس الإنسان من شفائه، ورضي "لا سمح الله" بطريق الضلال والغواية وعزم على الاستمرار فيه دون تخوّفٍ، وقتئذٍ يُرسل الله له الشدائد والبلاءات والمصائب والأمراض والفقر عله يتوب إلى ربه "لا أحاجنا الله للمصائب والأمراض بل نطلب العفو والعافية وطريق اليسر لا العسر والرجوع والتوبة دون مرير العلاج" فيبدل الله ذلّه عزاً وفقره غنى وسقمه صحة ويرجع عليه بالخيرات والرحمة والمغفرة، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}: فيتساءل: لماذا جاءتني هذه المصيبة وحلَّت بساحتي؟ وما هو السبب؟! والله صاحب الأسماء الحسنى ولا يصدر عنه إلا الخير، فلماذا جاءتني هذه المصيبة؟! فيرى أنها مما جنت يداه وما قدَّم من أعمال، فيتوب إلى ربه ويرجع إليه: {..قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ..}: المسألة بيدك يا رب. {..وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}: أي بالتوبة، عند ذلك يرجع عليهم ربهم بالخير والرحمة  {أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} سورة البقرة: الآية (155-157): يهديهم ربهم بعد توبتهم النصوحة بالنور الإلۤهي المتوارد على قلوبهم فيستنيرون بنوره تعالى.