استفسار حول حديث بنات سيدنا شعيب مع سيدنا موسى عليهما السلام!

السيد الفاضل السلام عليكم ورحمه الله:
العظماء والأتقياء والرسل والأنبياء هم قدوة للمؤمنين وللبشرية ولطالبي الحق والدين. ومقدار التعظيم والإجلال والتقدير لهم يتراوح من شخص لشخص كلٌ حسب إيمانه وحسب درجه فهمه لكلام الله. أما في القرن العشرين فقد بانت حقيقتهم المشرقة والمنيرة على يد العلامة السوري محمد أمين شيخو الذي أضاءت صفحاته المشرق المغرب ببيان رفيع المستوى فلا خلل ولا نقص. لذلك أودّ أن أستفسر عن موقفين واقعيين أولاهما: الحديث بين سيدنا موسى وبنات سيدنا شعيب. إذ يروي البعض بما معناه أن النقاش كان بدون حجاب ساتر للوجه. ثم إني أريد أن أسأل لماذا وقع اختياره على البنتين من بين عامة الناس ليعرض المساعدة. أيضاً ما سبب إبداء إعجاب أحد المرأتين له {قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين} فأرجو بيان ذلك الموقف بشيء من التفصيل.

الموقف الثاني هو موقف السيد محمد أمين شيخو في قصة {الحجاب والمرأة الفرنسية} فهنا المسألة واضحة. امتناعه عن دخول منزل لا رجال فيه. وانتظاره للمستشار الفرنسي في الخارج زمن طويل وكذلك رفضه مجالسة المرأة. ولكن في النهاية ولما ثار غضبها {بدأ النقاش بينهما} وحدّثها وبيّن لها سبب هذه الأصول ومخاطر العبث بها وفوائد الأخذ بها... الخ.
فأرجو بيان وتوضيح هذا الموقف أيضاً كونكم أقرب الناس إليه. مع خالص الشكر.

أما عن الحديث بين سيدنا موسى وبنات سيدنا شعيب إذ يروي البعض أن النقاش كان بدون حجاب ساتر للوجه: مع أن تعالى ذكر عنهن أنهما كانتا بعيدتان عن القوم محجبات بقوله: {..وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ..}، وقولهن لسيدنا موسى عليه السلام: {..لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء..} دلالة واضحة على عدم اختلاطهن وسترهن.

الجواب:
فهل صدقت البعض أن بنات نبي ورسول يكن سافرات عاريات غاويات، وقد قال صلى الله عليه وسلم الديوث لا يشم رائحة الجنة والديوث من كانت زوجته كاشفة عن وجهها فتدوسها بالشهوة نفوس الذين في قلوبهم مرض ويشتهون عليها الحرام ويقعون، وهذا لا يشم رائحة الجنة. فكيف تصدق أن بنات سيدنا شعيب يخرجن سافرات مع أن العلامة كما ذكرت بلسانك هو الذي أضاء المشرق والمغرب ببيانه العالي وبيَّن لك أن زوجة سيدنا إبراهيم وهو نبي أخ لسيدنا شعيب بالنبوة كانت في صرة كما في الآية: {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ..}. فهل تصدق أن بنات سيدنا شعيب كنَّ سافرات يجلن بالآفاق.
قبل أن تسأل لماذا لا تفكر قليلاً بدلالة العلامة الكبير فلا تصدّق هذه الشيطانيات من الأقوال. هذا الكلام لا أصل له فلا تنقله لأنك لست من الجاهلين بل تعرف عن دلالة العلامة الكبير محمد أمين شيخو قدس سره ومدده الدائم في الليل والنهار الذي فهم كلام الله العظيم.

تسأل: لماذا وقع اختيار سيدنا موسى على البنتين من بين عامة الناس ليعرض عليهنَّ المساعدة؟
والجواب: فما رأيك هل يعرض مساعدته على هؤلاء الرعاء الرجال الذين يسقون ولا يعبؤون ولا يساعدون البنات المحجبات اللواتي ينأون جانباً فلا يسقون حتى يصدر الرعاء وهذا لطهارتهن وشرفهن، فهنَّ لا يقتربن من المكان الذي فيه رجال ولا يدخلن بينهم.
فهل من المنطق أن يساعد الرجال الذين يقدرون على السقي ولماذا؟
أويترك البنات الضعفاء الشريفات الطاهرات المحجبات على وجوههن، وهؤلاء الرعاع لا يملكون ذرة من شرف أو نخوة أو شهامة، إذ لو كانتا امرأتين من صنف الكاسيات العاريات المائلات للزنى المميلات، لأفسح هؤلاء الرعاع لهن الطريق بل لسقوا لهن الغنم من البحيرة وخدموهنّ. نعم يخدمون شهوتهم ويناصرون دناءاتهم لكن بنات سيدنا شعيب عليه السلام لا مطمع لمرضى القلوب فيهنّ لأنهنّ شريفات عفيفات طاهرات وكنّ مستورات الوجوه متحجبات، لذا استهتر الرعيان بهنَّ، ولم يعبؤوا بوجودهن، ولذا اشمأز سيدنا موسى منهم وطردهم جميعاً من حول الماء وانقض عليهم كالأسد الهصور فشتت شملهم وملأ قلوبهم بهيبته رعباً وسقى للبنات الطاهرات أغنامهن وكيف لا يساعدهن وهنّ شريفات يمتنعن عن مخالطة الرجال والدليل بعدها أنه لما عادت {فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء..} وهذا الحياء دليل على أنها بعمرها كله لم تكلم الرجال وكذلك {..عَلَى اسْتِحْيَاء..} أي محجبة إذ غير المحجبة والكاشفة عن وجهها لا حياء فيها لاعتيادها على الحديث مع الرجال.

وتسأل عن موقف العلامة محمد أمين شيخو في قصته مع المرأة الفرنسية.
نقول: لم يتكلم العلامة مع المرأة الفرنسية في البداية وهو خارج المنزل ولم يرض أن يدخل المنزل وزوجها ليس فيه، وبعد أن تجرأت واتهمت الإسلام بالتعصب والجمود وهاجمته شخصياً واتهمته أن مسموعاته منحطة ذميمة، فكان وقتئذٍ مضطراً للردِّ عليها ومجابهتها بالمنطق والحجة الدامغة والبرهان، فالإسلام ليس فيه ضعف ولا استكانة، فلا يرضى العلامة أن يسبَّ دينه ويبقى مكتوف الأيدي ومقفل الفم، والساكت عن الحق شيطان أخرس، بل ردَّ عليها بما أسكتها وبما حببها بالإسلام.
وبالحجة والمنطق فهل يسكت لها؟! هل يأمر الإيمان بهذا؟ فكان الاجتماع الأول اضطرارياً وهذا ما جعلها تسلِّم وتضع على رأسها غطاءً وعلى جسمها جلباباً.
وعندما طلبت الاجتماع بالعلامة مرة أخرى رفض العلامة ذلك وقال لزوجها: بالمرة الأولى، تحدثت معها جبراً وكنت مضطراً ولكن في المرة الثانية وباختياري سوف أرغب وأشتهي فأنا بشر يا أخي وبهذا أُهلك نفسي وهذا لا يجوز. إن كانت تريد أن تسلم فهي وشأنها.
فأين الخطأ؟ كل ما قام به كمال بكمال وهذا فعل الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وهذا النموذج الإنساني الكامل بالأفعال.

ولتصحيح المعلومات:
أولاً: لم ينتظر العلامة زمناً طويلاً بل انتظر عشر دقائق فقط، وهذا ليس زمناً طويلاً إذ ربَّما طرأ حادث قاهر للإنسان في طريقه أو تباطأ السير لسبب ما، فعشر دقائق لا تعتبر تأخيراً.

ثانياً: أنت تقول (ولما ثار غضبها بدأ النقاش بينهما) وهذا غير صحيح ليس عندما ثار غضبها، فالعلامة لا يكترث بها إن ثار غضبها أم لم يثر، ولكن كما قلنا لأنها تهجمت على شخصه بالباطل والزور وكذا اتهمت الإسلام ونالت منه هنا كان العلامة مضطراً للتصدي لأقوالها غير الصحيحة بالمنطق والحجة مما جعلها تعلن إسلامها والتزامها بالحجاب. فهل يلام على ذلك، إذا أعلنت إسلامها هل هذا يستدعي النقد واللوم.