السلام عليكم
هناك حلقة مفقودة (أو إنني أنا لا أراها) الإنسان السالك لطريق الإيمان فكر بالموت حتى خافت نفسه من المصير فراح ينظر في آيات الكون حتى توصل لتعظيم تلك اليد الصانعة ولكن لحظة شعوره بنور الله أو الدخول على الحضرة الإلۤهية من باب السلام ﷺ هذه اللحظة هل هي شيء محسوس ملموس يعني هل يحس بخروج نفسه يعني هل يحس بوجود أو حدوث حالة جديدة لم يكن يعرفها سابقا ويكون لها تاريخ عنده يبقى يتذكر تلك اللحظة فيقول -مثلا- إنني بتاريخ كذا وبالساعة الفلانية وصلت للإيمان بالله أم أن الأمر هو شعور بالراحة النفسية أو ما شابهها فأنا سمعت قصة مفادها أن رجل كان زائراً للمقبرة يذكر نفسه بالموت وفيما هو بتلك الحالة من الصفاء النفسي الكبير وإذ بكلب -أكرمكم الله- ينبح بجانبه أو يمر من أمامه فيفزع وخرجت نفسه ويقال انه سمع أو ذاق أحوال الأموات وسمع صراخهم من الآلام (قد تكون القصة ليس بنفس الرواية ولكن تقريباً بهذا المعنى فأنا سمعتها مقاطع ومن عدة أشخاص) فكيف تخرج النفس وهل يحس بها الإنسان أم هو كخروجها أثناء النوم - الإنسان التقي كيف يرى بنور الله (أعرف أنه لا يمكن شرح ما هو طعم العسل لرجل لم يرَ العسل ولم يذقه) هل تتولد له عين جديدة فالتقي يميز الخير من الشر فمثلاً يرى الفعل أو الأمر فيعرف أنه خير أم شر فكيف يرى خير الأمور أو شرها هل يصبح لديه كما بتعبير لديه فراسة وبداهة بمعرفة الشيء أم يرى كما يرى بعينه عين الرأس.
1- تسأل: [هل لحظة دخول المؤمن على الحضرة الإلۤهية هي شيء محسوس ملموس أم أن الأمر هو شعور بالراحة النفسية أو ما شابهها].
الجواب: نقول إن لحظة دخول المؤمن على الحضرة الإلۤهية هي شيء لا محسوس ولا ملموس ولكنها أكبر بكثير من المحسوسات والملموسات.
لأن الحواس الخمسة ضيقة محدودة. تحصل من خلالها على لذائذ عابرة آنية منقضية محدودة ومحصورة، أما هنا بالإيمان اليقيني الثابت المضمون يحصل لك العقل والعقل هو الدين ومن لا عقل له لا دين له. وأن ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها. فالعقل هو حقيقة يقينية تدركها النفس بذاتها وتتوسع بها، وأثر العقل بالنفس أوسع من الكائنات كلها، وأعلى من النجوم السابحات السائحات وأعمق من البحار والمحيطات. وأشهى وألذ من ملذات الكون بأسرها.
العقل: شيء ماثل بالنفس لا يزول أبداً حتى بعد الحياة الدنيا، أما المحسوسات الملموسات فإنها تزول وتفنى بعد الموت، وكلها مطية ووسيلة للرقي إن ضحيت بها يحل محلها العقل أي الشهود النفسي تشاهد بها أسماء الله الحسنى وتنال بذلك الجنة.
فندعو الله أن يجعل الدنيا بأيدينا ولا يجعلها في قلوبنا.
أنت تقول أشهد ألا إلۤه إلا الله، فكيف تشهد إن لم يكن لديك نور أسطع من الأنوار المادية، بل وكيف تشهد ما لم تفتح منك عين البصيرة التي بها ترى النفس رؤى أوضح مما تراه بعين الرأس، إذ أن النفس تتوسع بالله فترى وتشهد بإيمانها إمداد الله الواسع اللامتناهي على الكون وتعقلها، وتسري لترى الآخرة وأحوالها وترجع للوراء لتتذكر وترى الأزل والخلق الأول، وكيف أنه عاهد ربه على الأمانة وعدم الخيانة فتعقلها ايضاً، وهذا لا تدركه الحواس المادية الضيقة، فهذا هو الحق وما دونه من محسوسات وملموسات ما هي إلا خيالات وسراب ولذائذ زائفة آنية منقضية.
والله يقول (..إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ) سورة الذاريات: الآية (23). أي مثل هذه الحياة السارية في أجسادكم والتي تجعلكم ترون وتسمعون وتنطقون كذلك الحياة القلبية المتواردة عليكم عن طريق رسول الله حياة حقيقية تسري في قلوبكم وهي أسمى وأعلى وأبهى وبها السعادة والمسرات والنعيم المقيم.
أي أن الفرق بين العطاءات النفسية والعطاءات الجسمية كالفرق بين حجم الجسم وحجم النفس المكلفة حين تتوسع بالله، فحجم الجسم بهذا الكون يكاد لا يذكر لأن حجم الكرة الأرضية بالنسبة لبعض النجوم يبدو صغيراً جداً فكيف بالإنسان وهو بهذا الحجم الصغير أما نفس الإنسان الذي حمل الأمانة والتكليف ونجح إذ آمن بلا إله إلا الله أوسع بكثير من الكون بأسره، أما بقية ذرّات هذا الكون ومجراته وبروجه بنجومه التي نجم منها أكبر من حجم الأرض بمليارات المرات كلها أقل من حجم النفس المكلَّفة فهي لم تحمل التكليف والتشريف، أما الذي حملها ونجح فنفسه لا جسمه أوسع من الكائنات وينال من الله عطاءات فوق ما يناله الكون من العطاءات، فحين دخول النفس على الحضرة الإلۤهية يمنحها ربها أكثر مما يمنح هذه النفوس المتمثلة بالنجوم والأبراج والشمس والقمر والكواكب.
فلحظة الدخول على الحضرة الإلۤهية يظن الإنسان أنها عطاءات محسوسة ملموسة على الجسم ولكن الجسم بالحقيقة لحظة الدخول التي ذكرناها ينصعق ويلقى أرضاً كما انصعق جسم سيدنا موسى حين شاهد جمال الله بنهاية رمضان واقتضاه الحال عشرة أيام حتى استطاعت نفسه أن تعود لهذا الكون ولجسمه.
علماً أن التجلي لم يكن مركزاً عليه بل على الجبل الذي اندك وتلاشى بحب الله عن وظيفته. إذن هذه اللحظة هي لحظة من لحظات عقل الجمال والجلال والعظمة واللطف والعطف والحب الإلۤهي، فالنفس البشرية المكلفة الناجحة تتحمل من التجلي الإلۤهي ما لا يتحمله الكون بأسره فأين الجسم واللمس عندها، إنه العقل أي المشاهدة النفسية من ذاتها بذاتها للذات الإلۤهية بأسمائها الحسنى.
2- وتسأل [هل يستطيع الإنسان أن يضع تاريخاً للحظة دخوله على الحضرة الإلۤهية].
الجواب: إن دخلت نفس المؤمن المقدرة لرسول الله على حضرة الله عندها يفنى لديه الماضي والحاضر والمستقبل، فمن عرف الخالق صغر المخلوق في عينه ومن دخل على الله بمعية من قدره ﷺ يغيب عنه الزمان والمكان حتى يغيب عن جسمه وعن نفسه وعن الوجود بأكمله.
فالجمال المتناثر في الكون على الوديان الجميلة ذات الشلالات البديعة والجبال الشاهقة والورود والزهور بشذاها وروعة سنا جمالها، ناهيك عن جمال البنين والبنات وغيرها كلها أثر بعد عين من جمال الحضرة الإلۤهية وجلالها وهذه التي ذكرناها كالنجوم إذا أشرقت شمس الضحى هل تشاهد نجمة.
فالحقيقة بالدخول على الحضرة الإلۤهية يحصل له فناء عن المخلوقات بأسرها وبقاء بالله. فهو لا يرى إلا سناء وبهاء وجلال جمال الأسماء الإلۤهية العليّة وجناته التي فيها الغبطة الأبدية، أي يحصل له (غسل نفس وغسل دماغ) فهو لا يرى إلا الله يرى الحقيقة اليقينية. فأنى له أن يتذكر زماناً أو مكاناً بذلك الوقت، أما حينما يعود من هذه الرحلة السامية القلبية وإلى وجوده وإلى المكان والزمان فإنه يتذكر بشكل عام الفترة الزمنية بدون تحديد تاريخي لأن الزمان والمكان يفقدان وجودهما حين يبتعد في المركبة الفضائية عن الأرض.
الزمان مبني على الدوران، دوران الأرض والقمر والشمس وهذه كلها زائلة لا محالة، فمفهوم الزمان والمكان وسائل بدائية للوصل بهذه الأصول إلى الإيمان وإلى الحضرة الإلۤهية ولحظة الوصول لا يتذكر شيئاً ويغيب عن كل شيء، أما بعدها قد يتذكر الزمان والمكان وقد لا يتذكر.
3- وتسأل: [لحظة دخول المؤمن على الحضرة الإلۤهية هل يحس بحدوث حالة جديدة لم يكن يعرفها].
الجواب: حتماً: فقد أصبح في عالم ثانٍ يحصل على حياة من نوع آخر أجمل وأطيب وأنور وأحلى، نعم سيتغير حاله سيخلع ثوب الشيطانية أو الحيوانية ويلبس ثوب الإنسانية فلو كانت نفسه فحماً أسوداً لغدت ألماساً، ولو كانت من نوع التنك لصار قلبه ذهباً صافياً، فستتبدل جميع صفاته من بخل إلى كرم ومن قسوة إلى رحمة ومن جبن إلى شجاعة ومن عمى إلى ديمومة النور فيصبح بصيراً.
فبالتبدل الكلي كما تبدل صحب رسول الله ﷺ إذ كان العرب أحقر خلق الله فغدوا أسمى الخلائق وسادة الدنيا والآخرة وكذلك كل من اتبعهم بإحسان في أي مكان وزمان.
فهو يحس بنعيم في قلبه أرقى وأبقى بكثير من نعيم الملذات الحسية اللمسية، فالمسرات لا تغادر قلبه ولو مرض جسمه.
فلن يغادره النعيم وبعد الموت سيتضاعف هذا النعيم ويزداد إنارةً، وكذلك يوم القيامة وما بعدها وذلك بفضل من أوصله وهو النعمة العظمى والعروة الوثقى اليقينية التي لا انفصال لها، وينال النعيم من حضرة الله مباشرة عن طريق رسوله السراج المنير ﷺ.
4- أما عن القصة التي سمعتها:
فقد سمعتها مشوهة النقل لأن الذي نقلها لم يعقلها. فالقصة هي أن رجلاً كان في المقبرة يذكِّر نفسه بالموت ويخاطبها أنه لابدّ من دخولها إلى المقبرة وأن يأتي الأحباب والأخلاء به محمَّلاً على النعش ويدخلوه في هذه الحفرة الضيقة (القبر)، وبتلك الأثناء اندفع بأذنه صوت قوي وهواء ساخن. ففزع الرجل وإذا بكلب كان نائماً على القبر ولم يستيقظ إلا حينما وصل إليه هذا الرجل وكانت ظلال الشجر تحجب جسم هذا الكلب، ولكن الرجل تفاجأ بصوته القوي يعصف بأذنه على بعد سنتمترات وهواء فمه الساخن يصل إلى أذنه فلم يعلم أبداً ماذا حدث ومن أين أتى هذا الصوت وتلك السخونة، ففزعت نفسه والتجأت للفكر. وقد كان التفكير قد وصل إلى أن المشيعين أنزلوه بالحفرة، فبالتجاء النفس إلى الفكر تبعت النفس مجرى التفكير فنزلت القبر فأحس الرجل بأن شيئاً أبيضاً خرج من صدره ونزل إلى القبر. وتابعت النفس سريانها فوصلت للآخرة كل هذا بلمح البصر وانقلب الحال النفسي إلى مسرات ونعيم وسرور.
5- وتسأل: [كيف تخرج النفس وهل يحس بها الإنسان].
الجواب: إذا النفس صاحبت النفوس الناجحة أو نفس رسول الله سيدهم، فهو يشعر بنفسه أنه انتقل انتقالاً مفاجئاً ولكنه لا يعرف الكيفية، أي أنه كان بعالم وانتقل لعالم آخر وصار بعالم أسمى وأحلى عالم نورانيٍّ بهي ملؤه السعادة والمسرات كما انتقل السحرة مع سيدنا موسى فقالوا (..إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ)سورة الأعراف: الآية (125): حدث لهم انقلابٌ كلٌّي جذريٌّ حيث انقلبت النفس من محاطة وهي سجينة بالصدر إلى محيطة والجسم يغدو فيها، انقلبت من عالم الدنيا إلى عالم آخر عالم الجنات فبمعية الرسول ﷺ تعرج نفسك بلطف ودون شعور منك وتدخل على الحضرة الإلۤهية ولا يشعر المؤمن بنفسه إلا وهو بهذه الحالة العالية ولا يعرف الكيفية، وهو بالحقيقة ما وصل إلى ما وصل إليه إلا بمعية السيد الأعظم رسول الله ﷺ.
6- وتسأل: [هل تتولد له عين جديدة وكيف يرى بنور الله].
الجواب: الضرير إذا فَتَّحَ فلم يكن له عين يرى بها وقد أصبحت له عين يرى بها. معناها أنه قد تولدت له عين الآن. يقول الله تعالى عن النفس (فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ) سورة الغاشية: الآية (12). أي أنها عين فَتَّحَتْ، وسرَتْ وطارت وسمت وعلت، نعم إنها النفس التي تشاهد كانت عمياء وفتحت، فأصبحت لها مولد نور جديد والحقيقة أنه ما كان لهذه النفس قبلها نور فهي فقدت النور منذ الأزل، ولكن حين طلبت ربها بإيمانها فإن السراج المنير رسول الله يمدُّها بنوره الموصل لنور الله، فبهذه الطريقة تنال النور الباقي الدائمي حينما تطلب الإيمان بصدق لتتيقن، والذين هم بلقاء ربهم مؤمنون والآية تقول (..وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ..) سورة التغابن: الآية (11). إذاً فمن يطلب الإيمان كما طلبه سيدنا إبراهيم بصدق عندها يأتي دور السراج المنير فيمده بنوره الموصل لنور الله فيجعل الإيمان مشهوداً.
7- وتسأل: [كيف يرى خير الأمور من شرها؟! هل يصبح لديه فراسة بمعرفة الشيء أم أنه يرى كما يرى بعين الرأس].
الجواب: إنه يرى خير الأمور من شرها رؤى يقينية أشد وضوحاً مما يراه بعين الرأس، هذا قد فتَّحَتْ عين بصيرته وسطع على قلبه نورٌ أشد سطوعاً من الأنوار المادية، فيرى الحقائق ويعاينها فلا تغره المظاهر الجميلة والشهوات الخداعة الزائفة فيرى السمَّ من الدسم ويميِّز الحية من السمكة، ولا تختلط عليه الأمور يرى رؤى حقيقية بواسطة السراج المنير ﷺ.