استفسارات حول الآيات الكريمة (1-3) من سورة المجادلة.

قال الله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3)}
- هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحاور النساء ويستمع إلى قضاياهن؟
وجاء سؤالي هذا بعدما اطَّلعت في موقعكم على بحث الحجاب الإسلامي الصحيح، وقرأت الآيات الكريمة التي تقول بأن صوت المرأة عورة.
- لم أتت كلمة (تجادلك) في الآية الأولى ولم تأتِ مثلاً (تشتكي إليك)، فالمجادلة حسب مفهومي تعني الحوار العقيم وعدم الوصول إلى نتيجة؟ وبعدها انتقل الجدال إلى حوار بكلمة (والله يسمع تحاوكما)!
- ما معنى كلمة (يظاهرون) في الآية الثانية وما علاقة أمهاتهم في الموضوع؟
- وفي الآية الثالثة لم جاءت كلمة (من قبل أن يتماسا)، ولم تأتِ (من قبل أن يتلامسا)، مع أن المس معنوي واللمس مادي؟

أخي السائل: قبل الدخول في تفاصيل أسئلتكم الكريمة من الضروري شرح بعض الآيات ليكون الشرح أساساً في الإجابة على أسئلتك.

1- {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا..}: وهي امرأة أحد المسلمين، جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي محجبة ساترة لوجهها تطلب الطلاق "والواقعة بالمدينة والحجاب مفروض"
{..وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ..}: من هجر زوجها لها واعتبارها كأمِّه.
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرضَ لها بطلاقها، وهو صلى الله عليه وسلم القائل: «إنَّ أبغض الحلال إلى الله الطلاق»، فهو صلى الله عليه وسلم لا يحب التفريق بين الرجل وزوجته لما فيه من ضرر وأذى على الأولاد، لكن وهي بثورة غضبها من زوجها تجادل رسول الله وتصر على الطلاق وتقول له أنها مظلومة عنده، وهي تكرهه لما فعل معها وأساء لها ولا تريد العيش معه.
الرسول استمع لها حتى ذهب غضبها عنها، وبعد ذلك انقلب الجدل العقيم إلى حوار مفيد لذلك قال تعالى: {..وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا..}: صارت تسمع من رسول الله وتفكر بكلامه فوجدته صحيحاً وتراجعت عن رأيها، وهنا بهذه الآية إشارة إلى أن يؤمن الإنسان بأن الله يسمع السر وأخفى.
{..إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ..}: لأقوالكم. {..بَصِيرٌ}: بأحوالكم، فكل ما يطرأ على النفس من حال من أحوال يعتلج فيها من حب وكراهية ورضى وعدمه وخوف وإيمان فالله سبحانه بصير به ويرسل لهذه النفس ما يناسبها، لذلك جعل سبحانه حلاً لهذه القضية وفرض كفارة.

2- {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم..}: مثلاً يقول إنكِ حرام عليَّ منذ اليوم أو حرامٌ أن أقربكِ "يتركونهن" يقول لها أنت عليَّ كظَهر أمي ويهجرها.
{..مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ..}: هذه المرأة ليست أمك، هي زوجة وللزوجة حق.
{..إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً..}: خارجاً عن الحق، فهل كان يأتي أمه بالسابق ويقاربها.
{..وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ..}: لمن يقبل عليه سبحانه. {..غَفُورٌ}: ويطلب الغفران والشفاء وهذا الشيء لم يكن معلوماً في الجاهلية.

3- {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ..}: يجعل ظهره لظهرها علامة الابتعاد.
{..ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا..}: يرجعون ويفكرون بما قالوا ويتراجعون عنه هذا يترتب عليه كفارة وهي: {..فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ..}: يشتري عبداً من كافر فيرشده ثم يطلقه أو يشتري عبداً من مؤمن ويطلقه وهذا الحد بهذا الزمان غير موجود.
{..مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا..}: أن يقربها وهنا المس الناتج عن اللمس علاقة نفسية ناتجة عن المقاربة اللمسية {..ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ..}: رحمة بكم ولخيركم وسعادتكم.
{..وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}: خبير بكم وبما يناسبكم، لذلك جعل لكم هذا الحد فطبِّقوه حتى لا تمنعكم هذه المخالفة والمعصية وهذا العمل عن الإقبال على الله سبحانه.

4- {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ..}: تربية لكل من المرأة والرجل. الرجل يصوم شهرين متتابعين دون انقطاع إذا مرض فيهم يفطر ثم بعدها يكمل مباشرة ما تبقى عليه من صيام لأن المرض من الله فلا يعيد الصيام من أوَّله.
{..مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا..}: أن يقربها وتعود العلاقة النفسية.
{فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً..}: يطعمهم ثلاث مرات لكل يوم واحد.
{..ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ..}: معنى هذا أنه كافر، كفر حين قال كلامه هذا لو كان هذا الرجل مؤمناً حتماً لما فعل ذلك.
{..وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ..}: «ألا إن لكل ملك حمى ألا إن حمى الله محارمه»
والذي يقترف مثل ذلك ولا يؤدِّي الحد فإنه يعرض عن ربه وله عذاب أليم. {..وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}

ولكن ما السبب في تشديد رب العالمين على هذا الأمر؟
بالماضي كانوا أهل صدق إذا قالوا كلمة لا يتراجعون عنها ويقرنون القول بالفعل، هذا الزوج إذا طبَّق ونفَّذ ما قال وأصرَّ عليه سوف تقع زوجته بالفاحشة والزنى، فإن كان ليس بمقدورها الوقوع بالزنى بسبب موانع تمنعها فإنها سوف تسلك طريق الباطنية وتقع بالزنى والفواحش مع شياطين الجن، وبهذا الوقوع قتلٌ لنفس الزوجة وتدميرٌ لها وللمجتمع الإسلامي والرسول موجود ويحدث هذا!
فهذا شيء كبير عند الله والرسول والله لا يرضا لعباده ذلك، ولهذا القائل عذاب أليم لأنه كان سبباً في دمار زوجته ففرض تعالى هذا الحد.

- أما عن سؤالك هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحاور النساء ويستمع إلى قضاياهن؟
وفي الجواب على هذا السؤال أقول لك:
إن الرسول لا يحاور النساء ولا يستمع لهن، فالنساء تحاور النساء والرجال مع الرجال وهذا هو القانون ولا مخرج عنه، لكن هذه الحالة التي حدثت مع رسول الله ليست قانوناً هذه حالة استثنائية طارئة اضطرارية. المرأة مظلومة والله سبحانه شهد لها بأنها مظلومة، وزوجها لا يشتكي على نفسه، لذلك خرجت من بيتها وقابلت رسول الله وهي بسترها واشتكت على زوجها، والرسول صلى الله عليه وسلم هو الحاكم والقاضي، ألا يستمع إليها ويحكم بقضيتها؟! وقضيتها كبيرة فيها دمار نفس وموتها ودخولها النار في الآخرة.

إذن: ما حدث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حال وظرف طاريء فإذا كنت تسير بأحد الشوارع وسمعت صوت نساء يصرخن ويستغثن لأن بيتهن يحترق وهن فيه سيحترقن ألا تدخل لإنقاذهن من النار؟! وإذا دخلت بهذه الحالة فمن يلومك ويتكلم عنك بالسوء بل القول هو الثناء والمديح.
والله سمح بحالات ضرورية أن يتكلم الرجل مع المرأة من وراء ستر وحجاب كما قال الله تعالى بسورة الأحزاب (53): {..وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ..}:
وهذه المرأة خاطبت رسول الله من وراء حجاب، فهل خرج رسول الله عما شرع الله؟ حاشا.
وهل هذه المرأة خرجت عن شرعه سبحانه؟ لا لم تخرج. إذن: يجب أخذ الظروف بعين الاعتبار.

وتسأل: لمَ أتت كلمة تجادلك والجدال غير الحوار، الجدال عقيم.
بالبداية كانت المرأة في ذروة غضبها وكانت تجادل رسول الله بطلاقها وتطلب منه صلى الله عليه وسلم أن يطلقها من زوجها. لكن الرسول يجمع ولا يفرق والذي يفرِّق هو الشيطان. إذن هي تطلب من رسول الله شيء عقيم لا يحقِّقه صلى الله عليه وسلم لها، بتسرُّع وهي مصرَّة وتجادل الرسول وتطلب الطلاق.
رسول الله صلى الله عليه وسلم برحمته الكبيرة ولطفه استطاع إخماد غضبها وصبغها بصبغته الإلۤهية العالية، فذهب عنها غضبها عندها انقلب جدالها إلى حوار مع رسول الله والحوار للفهم وكشْفِ الحقيقة والسير بها، وهي بعد أن هدأت نفسها وذهب الغضب عنها وفهمت مراد رسول الله وانصاعت لأمره وتراجعت عن رأيها بالطلاق، وبهذا انقلب الجدل العقيم إلى حوار مفيد.

أما عن سؤالك عن معنى كلمة {يُظَاهِرُونَ}:
أي يعطيها ظهره عند النوم ولا يقاربها.

وتسأل: عن كلمة {يَتَمَاسَّا} ولمَ لمْ تأتِ (يتلامسا) لأن المس معنوي واللمس مادي؟
فأقول: إن العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة حقيقتها علاقة نفسية تحدث رابطة بين نفسيهما تستفيد المرأة منها إن كان زوجها مؤمن في الآخرة، وهذه العلاقة تنقذها من النار إن كانت مطبقة حدود الله من حجاب وصلاة وصيام وزكاة وأعمال وهذه الزوجة التي جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم انقطعت علاقتها النفسية المعنوية مع زوجها بسبب كرهها له بما قام به وفعل معها لذلك جاءت كلمة {..مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا..}.
لكن الزوجة حين ترى ما أنفق الزوج من أموال على من حرَّر من عبد أو كيف ضحَّى وصام وأنفق على الفقراء من مال وكل هذا من أجلها ومن أجل إعادة علاقته بها فإنها تتوجه نفسها له بالمحبة، فتعاد العلاقة النفسية ويحدث المس وبعدها يأتي اللمس ويتم النقص.