بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سيدي الفاضل الأستاذ عبد القادر أدام الله عزكم. قرأت في القرآن بسورة الشورى الآيات رقم (49-50) {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}.
والسؤال: يهب تدل على أن العطاء من ناحية الأولاد هبة وليس من حقّنا. والمعروف أن ذرية كل إنسان في صلبه وتتناقل عبر الأجيال.
- فلماذا وردت كلمة {يهب}؟
- لماذا وردت كلمة إناثاً نكرة وكلمة الذكور معرّفة؟
- ما معنى أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً؟ ولماذا أتت (أو) ولم تأت (و)؟ علماً أن الحرفين أحرف عطف ولكن كل منهما له استعماله الخاص ومعناه الخاص. وشكراً جزيلاً.
{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}.
- لماذا وردت كلمة يهب؟
الهبة: هي العطاء دون مقابل، فالله تعالى يعطيك كل شيء دون مقابل منك، فلِمَ حصرتها ضمن الذكران والإناث، فهي عامّة ليس فقط الأولاد، فهو تعالى يهبك الحياة والنماء ليس لأولادك فقط بل لجسدك، فحياتك بيده تعالى يهبك إياها، وغذاؤك كله هبة من الله، يُرسل لك أشعة الشمس فيها الدفء والضياء دون أن تدفع ثمناً لذلك، أما البشر إذا أعطوك الكهرباء مثلاً يضعون لك عداداً يعدُ عليك صرفك ليأخذوا منك ثمنها وكذلك الماء.
أما الله يعطينا ولا يأخذ منا شيئاً، ترى الأشجار في الشتاء حطباً لا حياة فيه فإذا جاء الربيع وبدأت أشعة الشمس تزداد حرارتها، تتبرعم الأغصان وتكتسي الأشجار بثوبها الأبيض أزهاراً، وما تلبث الأزهار حتى تنعقد ثماراً وفي الصيف تنضج الثمار (كله على شانك وأنت مش داري)، كلّه هبة من الله لك ودون مقابل منك، فالمزارع يلقي الحبة في الأرض ويدير ظهره ولا يلتفت لها وتبقى عين الله ساهرة. الكون كلّه يعمل ليقدّم لك لقمة عيشك، فالمزارع لم يدفع في يوم من الأيام ثمن محصوله لله بل الله يهبه إياها دون مقابل منه.
وكذلك الذراري في أصلاب الآباء، هي بالأصل هبة من الله لم يدفعوا ثمنها له، والله تعالى يهبهم إياها، لأن الأبناء أكباد الآباء وهي هبة غالية على قلوبنا، يذكّرنا بها لنلتفت إليه فنحمده ونرى فضله وإحسانه وكرمه فنحبه ونقبل عليه.
- السؤال الثاني: (لماذا وردت كلمة إناثاً نكرة وكلمة الذكور معرفة؟).
طبعاً لأن الذكور دائماً تأتي بالتعريف لأن الذكر هو المسؤول وهو القوام على النساء {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء..} سورة النساء: الآية (34). فهو القائد الذي يقود المرأة، والمرأة تحتاج من يقودها وتستظل تحت لوائه، لذلك جاءت بالنكرة، وترى ذلك واضحاً في القرآن الكريم فالله لا يخاطب سوى الرجال ويوجه خطابه للذكور، والمرأة مشمولة ضمناً.
والذكور: من الذكرى وهي دائماً للتعرفة فالرجل يتذكر، والله جعل القرآن ذكرى والرسول ذكرى، فالرجل يتعلَّم ويتذكَّر ومن ثم المرأة تتعلَّم منه وتربّي ويربّيها ويقال بالمثل العامي: (الفرس من خيالها) فكيف يوجهها تتجه. فهو عليه أن يتذكّر ويستجيب للحق، ويعلّمها بعد ذلك. والحقيقة لابدَّ له من أن يقودها إلى الجنات وسعادة الدنيا والآخرة، في أن يقود نفسه أولاً فيفتّح، وبإخلاصها له تستنير وتفتِّح.
- السؤال الثالث: (ما معنى كلمة أو يزوجهم؟).
{أَوْ يُزَوِّجُهُمْ..}: أي الله هو الذي يزوجهم، بناءً على ما بنفوسهم من طلب وهواية يبعث لهم أزواجاً: فمن كان ممن آمن بالله واتّصل بربّه واشتقَّ من الكمال وغدت نواياه عالية وغاياته سامية من وراء كل عمل يعمله، لما حاز من صفات إنسانية كاملة، وغدا تقياً يأتمر بأمر رسول الله وينتهي بنهيه، فهذا لا يتزوج إلا لغايات إنسانية سامية لا شهوانية بهيمية، فتراه لا يهتم بالشكل واللون وما تهواه الأنفس لأنه غني بقلبه، بل يُؤثر الزنجية المتقدمة في العمر إن كان في زواجها رضاء الله ومكاسب أخروية بإنقاذها والأخذ بيدها، فتراه يقدِّم رضاء الله وعمل الإحسان على كل شهوة دنيوية، فهذا الذي يزوّجه الله عن طريق رسوله ويعطيه ثواب الدنيا والآخرة ويزوجه زواجاً من أرقى وأسمى الوجوه ويسوق له أشرف وأطهر النساء، لأنه سار بما اختاره الله له لا بما اختار هو لنفسه، وإن كان المرء ممن غلبت عليه شهواته وأحب العاجلة ولديه هوى ورغائب وميولات ولم ينتظر اختيار رب العالمين له بل هو اختار لنفسه، فراح يبحث عن نصيبه ويجد في البحث ويهتم باللون والعمر والشكل لهوى في نفسه وشهوة دنيوية منقضية، فهذا يعطيه الله طلبه يزوجه ويوليه ما تولى، ويطلقه لما هو أراد واختار ولا يحيف عليه شيئاً من شهواته بل يخرج له كل طلباته ورغائبه: {كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً} سورة الإسراء: الآية (20). فهذا طلب شهوته بالحلال، فالله يعطيه ولا ينقصه شيئاً، ولكن ليس له من الرقي والسمو، لأنه هو الذي اختار لنفسه ولم ينتظر اختيار الله له، بل استعجل ولم يتريث فله ما اختار، فيزوجهم الله بناءً على ما بنفوسهم من طلبات.
- أما عن سؤالك لما وردت {أَوْ..} ولم تأتِ (ويزوجهم)؟
هذا لأن الأغلبية العظمى من الناس وفي وقتنا الحالي أو كل الناس يفضلون اختيارهم وهوى أنفسهم، فيسعون وراء تحقيق رغائبهم ولا ينتظرون أمر الله واختياره الخيّر لهم، فيُطلقهم الله لما يريدون. لذلك جاءت: {أَوْ..} أي: يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور، هذه محصورة في مشيئة الله واختياره، أما هنا {أَوْ..} بناءً على طلبات الناس واختيارهم يزوجهم وليس بناءً على اختيار الله لهم.
أما لو جاءت (و) أن الله يهبُ لهم ما يشاء ويزوجهم أيضاً ما يشاء الله وليس ما هم يختارونه لنفسهم، وهذا ما لا يحصل في وقتنا الحالي للضعف الإيماني وغلبة الشهوات الدنيوية على معظم القلوب.