أسئلة حول الحواريين أصحاب سيدنا عيسى عليه السلام ومعجزاته.

لي سؤال لو تكرمتم حول أصحاب السيد المسيح عليه السلام "الحواريين" قال تعالى: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (112) قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 112-115].
أرجو التكرم بشرح مفصل لتلك الحادثة المذكورة في الآيات السابقة، مع توضيح النقاط التالية:
- هل كان الحواريون يظنون بالسيد المسيح على أنه رجل يمارس السحر، ومعجزاته عبارة عن تخييلات تتم عن طريق عالم الشياطين اللامادي؟ وذلك لأنهم طلبوا طعاماً مادياً أرادوا أن يأكلوا منه ويشبعوا ويطعموا أهليهم ليتأكدوا على أن الأمر ليس بخيالات وأعمال سحرية.
- كيف لم يشعروا بصدق معجزاته طالما أنها من الله عز وجل، ورغم أنهم كانوا يحاورونه ويناقشونه، وأعتقد أنهم اكتسبوا في نفوسهم عن طريق هذه المحاورة شيء من السيد المسيح وشعروا بحاله العالي وصدق كلامه عكس كلام السحرة وحالهم المنحط.
- هل يستطيع الساحر أن يبرئ الأكمه الذي لا ينطق، وهل يدوم حال كلامه لنهاية أجله، أم لفترة معينة.
- بالنسبة لإحياء الميت: كيف يتم ذلك؟ وهل يعود هذا الميت للحياة ثانية، أم مجرد حادثة تحدث لدقائق، ثم يعود الميت إلى قبره؟ وإذا كان الميت سيعود إلى قبره أفلا يظن من رآه أن حادثة الإحياء هذه كانت مجرد تخييلات؟!
- وإذا تشابهت معجزات الإلۤه العظيم مع أفعال السحرة، فكيف ستكون معجزات! وكيف سيميز الناس الحق من الباطل؟
أرجو من جنابكم الكريم التفضل بإجابتي عن هذه الأسئلة، علماً أني بحثت هذا الموضوع مع بعض الأخوة "جزاهم الله خيراً" ولكني لم أصل لقناعة كاملة... ولكم الشكر

أولاً: تسأل هل كان الحواريون يظنون بالسيد المسيح على أنه رجل يمارس السحر ومعجزاته عبارة عن تخييلات تتم عن طريق العوالم اللامادية من الشياطين؟
يا أخي: أليس الطير الذي سوّاه سيدنا عيسى ونفخ فيه فصار طيراً حقيقياً محسوساً ملموساً، فلو كان أنثى فهي تبيض ويخرج لها فراخ، أليس هذا مادي؟ هل هو خيالات حتى أنك تسأل أن الحواريين ظنّوه خيالاً لا مادي؟!
وعندما أبرأ الأكمه والأبرص وشفاهم شفاءً تامّاً ولم يعد المرض إليهم، أليس هذا مادي؟! ومن يظنّه سحر؟! إنه شفاء حقيقي محسوس ملموس لا خيالات حتى ظنوه سحراً يا أخي.

- هل إحياء الميت وإخراجه من قبله وذهابه إلى أهله وذويه وأصدقائه ومجالستهم والتكلم معهم، هل هذا كله سحر وتخييلات، أم وقع بشكل بادٍ ظاهرٍ مادي للعيان فهل هذا سحر وخيالات!...
كلا لم يظنوه سحراً لأن جميع هذه المعجزات قد وقعت ولمسوها وشاهدوها، فهل بعد العيان بيان وبعد اليقين ظنون؟!

إن من ظن الأمر أنه خيالات، فهذا مكذِّب وغير مصدِّق، أما الحواريون فهم مؤمنون ومن قال عنهم أنهم لم يصدِّقوا سيدنا عيسى وهم الذين آمنوا به وساروا معه وصاحبوه وناصروه، إذا لم يصدِّقوه فكيف ساروا معه ونشروا هديه في الامبراطورية الرومانية فيما بعد لو كان هذا ظنّهم، ومن ظن هذا الظن السوء بسيدنا عيسى إذ ذاك فهو كافر بدليل الآية قبلها: {..فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} [المائدة: 110] عن معجزات سيدنا عيسى، أولئك عرفوا وحرفوا إذ جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم.

ثانياً: تسأل كيف لم يشعروا بصدق معجزاته طالما أنها من الله رغم أنهم كانوا يحاورونه ويناقشونه، وقد اكتسبوا في أنفسهم وشعروا بحاله العالي وصدق كلامه عكس كلام السحرة وحالهم المنحط.
نقول: بكلامك الذي تفضَّلت به وشرحت شرحاً عالياً وهو عين الصواب الذي لا يُعاب، وكلامك حق إذ تقول أنهم شعروا بحاله العالي وصدق كلامه فلم يظنُّوا أنه يمارس السحر بل حاوروه وناقشوه وسمعوا منه دلالة سامية وبياناً عالياً أذهلهم عن الوجود بمنطقه وبما جاءهم به من الله والذي لا تستطيع البشرية أن تأتي بأثر منه، فهذا البيان العالي أدهشهم وأخذ بألبابهم إكباراً وإعظاماً فلم يعودوا يعوا على ما حولهم فما كانوا عابئين ولا ملتفتين للمعجزات التي يطلبها الناس وغير مكترثين بما هو بنظر الناس عظيماً.
كانوا يناقشون سيدنا عيسى ويحاورونه وبالمنطق يسيرون معه حتى استكملوا دراستهم النظرية وبعد ذلك التفتوا للشيء العملي فطلبوا المائدة منه لإتمام إيمانهم بالعملي أيضاً، وكمثال على ذلك:
من درس في جامعة جميع مواده النظرية وبقي أمامه العمل بميدان الحياة وتطبيق العلم النظري بالعمل، ولا يُعد المهندس الميكانيكي ناجحاً إذا اقتصر بدراسته على المواد النظرية دون تطبيقها والعمل بها.
كذلك الحواريون بعد أن آمنوا مع سيدنا عيسى بالمنطق نظرياً بقي أمامهم التطبيق العملي، وما أن تحقَّق طلبهم حتى انطلقوا في مدارج القدس علواً وسمواً.

إذن: لم يطلب الحواريون المائدة ظنّاً منهم بسيدنا عيسى أنه ساحر، إنما كان طلبهم هذا مرحلة إيمانية عملية ثانية، أرادوها لأنفسهم.

- وتفضَّلت وقلت: هل يستطيع الساحر أن يبرئ الأكمه الذي لا ينطق؟
بالطبع لا يستطيع أبداً.
كذلك أنت يا أخي تبيِّن الصواب بكلامك حيث تفضَّلت وقلت أن الساحر يأتي بالخيالات عن طريق عالم الشياطين اللامادي وأعمالهم غير واقعية، ولكن إن تمَّ شفاء الأكمه والأبرص أليس هذا العمل مادي وقع ولمسه المريض ومن حوله ممن رأوا ذلك ولمسوه لمس البنان! أليس هذا العمل مشهوداً ملموساً.
إذن: فهذا العمل ليس سحراً ولو أن السحرة تستطيع أن تقوم بمثل هذه الأعمال إذن فلا حاجة للمستشفيات وللاستطبابات، والحقيقة أن الساحر لا يقوم بأي عمل فيه نفعٌ للناس وفائدة، ولا يخرج منه إلا الأذى والضرر، ولفهم هذا الموضوع أصدرنا كتاباً بعنوان: (كشف خفايا علوم السحرة)، فإن أردت الاستزادة اقرأ هذا الكتاب من مكاتب الشام تتضح لك حقيقة أعمال السحرة.

- أما عن سؤالك: هل يدوم حال كلام الأكمه الذي شفي على يد سيدنا عيسى؟
نقول: بلا شك حتماً تدوم جميع الشفاءات التي جرت على يد السيد المسيح عليه السلام، وكمثال على ذلك الشفاءات العديدة التي تمَّ شفاؤها بإذن الله عن طريق إجراء عملية الحجامة، تمَّ الشفاء بها من أمراض مستعصية، عجز الطب في أوج تقدِّمه عن شفاء حالة واحدة من هذه الحالات، كما هو الحال في أمراض الناعور والسرطان والشلل ومرض خلوصي بهجت و... ، وهؤلاء أصحاب هذه الأمراض المستعصية وغيرها تمَّ شفاؤهم بعملية الحجامة وفارقهم المرض ولم يعد إليهم أبداً، وهذه الشفاءات تعدُّ في عالم الطب معجزة بحق، وهؤلاء المرضى جميعهم شفوا ودام شفاؤهم.
إذن: سيدنا عيسى شفى الأكمه والأبرص ومن كلمة (يُبرئ): أي يشفي ولا يعود المرض إليه.

- أما بالنسبة لإحياء الميت: فالإحياء برهان وقد يعيش ويطول عيشه بعد إحيائه وقد يموت بعد ذلك فهذا ليس مشروطاً، فلطالما أراهم سيدنا عيسى هذه المعجزة واقتنعوا بها وأيقنوا، ولمسوها لمساً فما يهمّهم بعدها إن مات أو لم يمت!...

- وتسأل: أفلا يظن من رآه أن حادثة الإحياء هذه كانت مجرَّد تخييلات؟
نقول: أبعد الرؤية والشهود بالمحسوس الملموس ظنون وخيال؟!
أبعد العيان واليقين ريب وشك؟!
فإذا كان الميت الذي تمَّ إحياؤه خرج من قبره وتحدَّث مع أقاربه وأحبائه وأصدقائه وسامرهم وآنسهم وكلَّموه وسمعوه، أبعد كل ذلك من الذي يظنّها خيالات؟! أليسوا أهله ويعرفونه؟! ألم يروه ويتيقَّنوا منه أنه هو؟! هل إذا عاش أحد المقرَّبين لك بعد موته وسهر معك ليلة كاملة أو أكثر أو أقل وحدَّثته وحدَّثك، هل تقول بعد ذلك تخيّلات؟! حاشاك من ذلك.

- وتفضَّلت وسألت: إذا تشابهت معجزات الإلۤه العظيم مع أفعال السحرة فكيف ستكون بمعجزات! وكيف سيميِّز الناس الحق من الباطل؟
نقول: إن أفعال الإلۤه العظيم لا تشابه أفعال السحرة، لأن السحر خيال لا حقيقة وأفعال الإلۤه حقيقة لا خيال. فهل السحرة يستطيعون أن يأتوا ببعوضة ويمدّوها بالحياة، وهذا ما عجز عنه أطباء وعلماء هذا العصر الحضاري وقالوا إن الحياة كالزئبق تفرُّ من البنان.