أسئلة حول الآيات الكريمة (28-30) من سورة الجاثية

قال تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} [الجاثية: 28-30].
يرجى التكرم بشرح الآية السابقة، مع توضيح النقاط الآتية:
1- لماذا كرّر تعالى كلمة: (كل أمة) في آية: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى..}؟
2- إذا كانت كلمة (جاثية) الواردة في الآية السابقة تدل على حال الذل والإهانة الذي يتلبس أهل الكفر والنار يوم القيامة، وهذا ما بينه تعالى في سورة مريم (68): {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً} فكيف وردت آية {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ..} التي تتحدث عن المؤمنين بعد آية: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً..}، وهذا يعني أن أمة المؤمنين أيضاً جاثية!!
أرجو التوضيح.

جاثية: جاثية على ركبها، هذا حال النفس المجرمة.
أما عن المؤمنين يا أخي الكريم فلهم الإكرام في جنات النعيم، فلن يجعل تعالى العصاة كالطائعين المسلمين ولا أحد من البشر يجعل المتمرِّدين كالطائعين ولا المجرمين كالمتقين {إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 39-42]. وذلك منذ لحظة فراقهم الدنيا.

وسقر: المقرّ الذي يعود عليهم بالسوء، أي: جاثين في قبورهم بنفوسهم تحت التراب، والمؤمنين طائرين محلِّقين في الجنات، ولا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة، أصحاب الجنة هم الفائزون، شتان بين هؤلاء وأولئك، فالمؤمنون في علّيين وأولئك في جهنم جاثمين على الأرض بلا سمو ولا رقي، في عمى البصيرة بعوالم الحقائق.

فكيف يا أخي دمجت المؤمنين مع غيرهم من العاصين! والآيات ليس فيها أي دمج، لأن الله ابتدأ آيات المؤمنين: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا..}، وهنا الفاء تُسمى باللغة (الاستئنافية)، أي: انتهى البحث السابق وابتدأ الحديث عن المؤمنين ولا دمج بينهم وبين المعرضين أبداً.

ونعود إلى السؤال الأول: لماذا تكررت كلمة (كل أمة) في آية: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى..}؟
نقول: هذا التكرار لابدَّ منه لإتمام المعنى، حيث قال تعالى:
{وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً..}: أي جاثية على ركبها، هذا حال النفس المجرمة متلبّسة بالذّل والخنوع، ما سبب ذلك؟ ولماذا جثت تلك الأمم المعرضة؟ لأنها تدعى إلى كتابها: {..كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا..}: ما كتب عليها من إجرامات.
هذا الكتاب فيه جميع أعمالهم الإجرامية والمكر والخداع والخيانة وعدم الأمانة، هذه الأعمال عندما يراها أصحابها ويرون تفريطهم في جنب الله وكيف قابلوا الإحسان بالإساءة، وقتئذٍ يلبسهم حال الذلّ والخنوع ويرهقهم العار والإهانة المنبعثة من ذات نفوسهم، لذا كل أمةٍ لها أعمالها الخاصة بها التي سبَّبت لها هذا الحال الجهنمي ولكل أمة علل وأمراض ولكل أمة علاجات مناسبة لها تختلف عن الأخرى فليسوا سواء في الدرجة الجهنمية في الأعمال.